پيشتر در اين سايت به معرفی کتاب ابو عمرو الزبيري پرداختيم و وعده داديم که بازمانده های متن او را يکجا بر اساس الکافي و تفسير قمي و تفسير عياشی و تهذيب الأحکام نقل کنيم. به دليل تفاوت محدود در نسخه ها و تکه تکه شدن نقلها، صلاح در اين ديدم که نقلهای هر يک از اين منابع را به صورت جدا بياورم.
در الکافي:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال:
حدثنا أبوعمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: مالا يقبل الله شيئا إلا به، قلت: وما هو؟ قال:
الايمان بالله الذي لا إله إلاهو، أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا، قال: قلت ألاتخبرني عن الايمان، أقول هو وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه، قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه، قال: الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراحج الزائد رجحانه، قلت: إن الايمان ليتم وينقص ويزيد؟ قال: نعم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لان الله تبارك و تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به ا ختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره و منها عيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ; ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها بفرض من الله تبارك اسمه، ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها. ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع وغير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله صلواله الله عليه وآله والاقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله عزوجل: " إلامن اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا " وقال: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " وقال: " الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " وقال: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فذلك ما فرض الله عزوجل على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان وفرض الله على اللسان القول التعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله تبارك وتعالى " وقولوا للناس حسنا " وقال: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " فهذا ما فرض الله على اللسان وهوعمله وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لايحل له مما نهى الله عزوجل عنه والاصغاء إلى ما أسخط الله عزوجل فقال في ذلك: " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ثم استثنى الله عزوجل موضع النسيان فقال: " وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعدالذكرى مع القوم الظالمين وقال: " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب " وقال عزو جل: " قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون " وقال: إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " وقال: " وإذا مروا باللغو مرواكراما " فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان أن لا يصغي إلى مالا يحل له وهو عمله وهو من الايمان وفرض على البصر أن لاينظر إلى ما حرم الله عليه وأن يعرض عما نهى الله عنه، مما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان، فقال تبارك وتعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " فنها هم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه وقال: " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " من أن تنظر إحدا هن إلى فرج اختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها وقال: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلود كم " يعني بالجلود: الفروج والافخاذ وقال: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا " فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عزوجل وهو عملهما وهو من الايمان وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عزوجل وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلاة، فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلو وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " وقال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فذاء حتى تضع الحرب أوزارها " فهذاما فرض الله على اليدين لان الضرب من علاجهما وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شئ من معاصي الله وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عزوجل فقال: " ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا " وقال: " واقصد في مشيك و اغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير " وقال فيما شهدت الايدي والارجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عزوجل به وفرضه عليهما: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الايمان وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: " يا أيها الذين آمنوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين وقال: في موضع آخر: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عزوجل لما صرف نبيه (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عزوجل " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم " فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله عزوجل حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عزوجل عليها لقي الله عزوجل مستكملا لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمرالله عزوجل فيها لقي الله عزوجل ناقص الايمان، قلت: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول الله عزوجل: " وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم " وقال: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على الآخر ولا ستوت النعم فيه ولا ستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال:
حدثنا أبوعمر والزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إن للايمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل لذلك أو ائل هذه الامة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذاللحق آخر هذه الامة أولها، نعم ولتقد موهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الايمان الفضل على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين وبالابطاء عن الايمان أخر الله المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الاولين وأكثر هم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الاولين ولكن أبى الله عزوجل أن يدرك آخر درجات الايمان أولها، ويقدم فيها من أخر الله أو يؤ خر فيها من قدم الله. قلت: أخبرني عما ندب الله عزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول الله عزوجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله " وقال: " السابقون السابقون اولئك المقر بون " وقال: " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعو هم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " فبدأ بالماجرين الاولين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده، ثم ذكر ما فضل الله عزوجل به أولياء ه بعضهم على بعض، فقال عزوجل: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات إلى آخر الآية وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " وقال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وقال: " هم درجات عند الله " وقال: " ويؤت كل ذي فضل فضله " وقال: " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله " وقال:" فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عطيما * درجات منه ومغفرة ورحمة " وقال: " لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " وقال: " يرفع الله الذين آمنوامنكم والذين اوتوا العلم درجات " وقال: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظما ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عود نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح " وقال: " وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عندالله " وقال: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مقال ذرة شرايره " فهذا ذكر درجات الايمان ومنازله عند الله عزوجل.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد،
عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزوجل قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه.
فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين ; والكفر بترك ما أمر الله ; وكفر البراءة ; وكفر النعم. فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لارب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم: الدهرية وهم الذين يقولون " وما يهلكنا إلا الدهر وهو دين وضعوه لانفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشئ مما يقولون، قال الله عزوجل: " إن هم إلا يظنون " أن ذلك كما يقولون وقال: " إن الذين كفروا سواء عليهمء أنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون " يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحد وجوه الكفر. وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق، قد استقر عنده وقد قال الله عزوجل: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " وقال الله عزوجل: " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاء هم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " فهذا تفسير وجهي الجحود. والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان (عليه السلام) " هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " وقال: " لئن شكر تم لازيد نكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وقال: " فاذكروني أذكر كم واشكروالي ولا تكفرون ". والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عزوجل: " وإذا أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماء كم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم " فكفرهم بترك ما أمر الله عزوجل به ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال: " فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ". والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة وذلك قوله عزوجل يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): " كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ". يعني تبرأنا منكم، وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الانس يوم القيامة: " إني كفرت بما أشر كتموني من قبل " وقال: " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا " يعني يتبرء بعضكم من بعض.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد،
عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لايحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزوجل وآمن برسوله (صلى الله عليه وآله) ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل و إلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟ فقال: ذلك لقوم لايحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم، قلت: من اولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزو جل ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد قلت: فبين لي يرحمك الله، قال: إن الله تبارك وتعالى أخبر [نبيه] في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ويستدل بعضها على بعض فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره فبدأ بنفسه فقال: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ثم ثنى برسوله فقال: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " يعني بالقرآن ولم يكن داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر [به] في كتابه والذي أمر أن لايدعى إلا به " وقال: في نبيه (صلى الله عليه وآله): " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " يقول: تدعو، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه أيضا تبارك وتعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (أي يدعو) ويبشر المؤمنين " ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون " ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة، دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمة إبراهيم (عليه السلام) الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله: " أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يعني أول من اتبعه على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزوجل من الامة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ولم يلبس أيمانه بظلم وهوالشرك، ثم ذكر أتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) وأتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه وأذن لها في الدعاء وإليه فقال: " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ثم وصف أتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين فقال عزوجل: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراههم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل " وقال: " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " يعني اولئك المؤمنين، وقال: " قد أفلح المؤمنون " ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم إلا من كان منهم فقال فيما حلاهم به ووصفهم: " الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذينهم عن اللغو معرضون - إلى قوله - اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " وقال في صفتهم وحليتهم أيضا: " الذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا " ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم " أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن " ثم ذكر وفاء هم له بعهده ومبايعته فقال: " ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " فلما نزلت هذه الآية: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " قام رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا نبي الله أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله: " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " ففسر النبي (صلى الله عليه وآله) المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة و قال: التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء. السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. وذلك أن جميع مابين السماء والارض لله عزوجل ولرسوله ولاتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمولي عن طاعتهما مماكان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما أفاء الله على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه أوفيه، فمارجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فأمثل قول الله عزوجل: " للذين يؤلون من نسائهم تربص [أربعه أشهر] فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم " أي رجعوا، ثم قال: " وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عيلم " وقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله (أي ترجع) فإن فاءت (أي رجعت) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " يعني بقوله: " تفيئ " ترجع فذلك الدليل على أن الفيئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه. ويقال للشمس إذا زالت: قد فاءت الشمس حين يفيئ الفيئ عند رجوع الشمس إلى زوالها وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فإنماهي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم فذلك قوله: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " ما كان المؤمنون أحق به منهم وإنما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها وذلك أنه لايكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ولايكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشترط الله عزوجل على المؤمنين و المجاهدين فأذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا وإذا كان مؤمنا كان مظلوما وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " وإن لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال، فلما نزلت هذه الآية: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمهم إياهم واذن لهم في القتال.
فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لوكان إنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل لان الذين ظلموهم غير هم وإنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لاخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذ [ا] لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم [إذا لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد] وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم فقد قاتلوهم بإذن الله عزوجل لهم في ذلك وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان وإنما أذن الله عزوجل للمؤمنين الذين قاموا بما وصف [ها] الله عزوجل من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف لانه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنون بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ولايكون داعيا إلى الله عزوجل من امربدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عنه، فمن كانت قد تمت فيه شرائط الله عزوجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الاولون ويحاسبون عما به يحاسبون و من لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتى يفيئ بما شرط الله عزوجل عليه فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد فليتق الله عزوجل عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزوجل عنها من هذه الاحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ولا يقدم على الله عزوجل بشبهة لايعذربها فإنه ليس وراء المعترض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها فليحكم امرء لنفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد، وإن علم تقصيرا فليصلحا و ليقمها على مافرض الله عليها من الجهاد ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين: لاتجاهدوا ولكن نقول: قد علمنا كم ما شرط الله عزوجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرء ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك وليعرضها على شرائط الله فإن رأى أنه قد وفى بها وتكاملت فيه فإنه ممن أذن الله عزوجل له في الجهاد فإن أبى أن لا يكون مجاهدا على مافيه من الاصرار على المعاصي والمحارم والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى و القدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة، فلقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذاالفعل " أن الله عزوجل ينصر هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم " فليتق الله عزوجل أمرء وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير.
در تهذيب الأحکام شيخ طوسی:
عنه (يعنی علي بن ابراهيم) عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن ابي عمرو الزبيري عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: اخبرني عن الدعاء إلى الله عزوجل والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم ؟ أو هو مباح لكل من وحد الله تعالى وآمن برسوله (صلى الله عليه وآله) ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزوجل والى طاعته وان يجاهد في سبيل الله تعالى ؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم قلت: ومن اولئك ؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله عزوجل حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: فبين لي يرحمك الله ؟ قال: ان الله تعالى اخبر في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها ببعض ويستدل ببعضها على بعض فأخبر انه تعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته باتباع أمره فبدا بنفسه فقال عزوجل: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ثم ثنى برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) يعني بالقرآن، فلا يكون داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ودعا إليه بغير ما امر الله عزوجل في كتابه الذي امر أن لا يدعى إلا به وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) يقول تدعو، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه ايضا فقال تعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم).
در تفسير علي بن ابراهيم القمي:
حدثني ابي عن بكر بن صالح عن ابي عمر الزبيدي (الزبيري ظ) عن ابي عبد الله (ع) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلآء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلآء كفروا وجحدوا بعلم ... (در اينجا روايتی ديگر را تلفيق کرده و باز علی الظاهر بازگشته به منبع اصلی از زبيري:) ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلونئ اشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله.
در تفسير العيّاشي:
عن أبى عمرو الزبيري عن ابى عبد الله صلوات الله عليه قال: ان الله تبارك و - تعالى فرض الايمان على جوارح بنى آدم، وقسمه عليها، فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت به من الايمان بغير ما وكلت به اختها، ومنها عيناه اللتان ينظر بهما و رجلاه اللتان يمشى، ففرض على العين ان لا تنظر إلى ما حرم الله عليه وان تغض عما نهاه الله عنه مما لا يحل له، وهو عمله وهو من الايمان قال الله تبارك وتعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) فهذا ما فرض الله من غض البصر عما حرم الله وهو عملها وهو من الايمان، وفرض الله على الرجلين ان لا يمشى بهما الي شئ من معاصي الله وفرض عليهما المشى فيما فرض الله فقال: (ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا) و قال: (واقصد في شيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير).
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله فرض الايمان على جوارح بنى آدم وقسم عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذى به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذى لا يرد الجوارح ولا يصدر الا عن رأيه وأمره. فاما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بان لا اله الا هو وحده لا شريك له الها واحدا. لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله من نبى أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله تعالى: " الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا " وقال: " الا بذكر الله تطمئن القلوب " وقال " الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " وقال: " ان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك و تعالى فرض الايمان على جوارح بنى آدم، وقسمه عليها، فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت اختها، فمنها اذناه اللتان يسمع بهما، ففرض على السمع ان يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وان يعرض عما لا يحل له فيما نهى الله عنه، والاصغاء إلى ما اسخط الله تعالى، فقال في ذلك " وقد نزل عليكم في الكتاب " إلى قوله " حتى يخوضوا في حديث غيره " ثم استثنى موضع النسيان فقال: " واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " وقال: " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " إلى قوله " اولوا الالباب " وقال: " قد افلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون والذينهم عن اللغو معرضون " وقال: " وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه " وقال: " وإذا مروا باللغوا مروا كراما " فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان ولا يصغى إلى ما لا يحل وهو عمله وهو من الايمان.
قال أبو عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له ألا تخبرني عن الايمان أقول هو وعمل ام قول بلا عمل ؟ فقال: الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، مفرض من الله مبين في كتابه واضح نوره، ثابتة حجته يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه ولما ان أصرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبى: أرايت صلاتنا التى كنا نصلى إلى بيت المقدس ما حالنا فيها، وما حال من مضى من امواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله " وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم " فسمى الصلوة ايمانا فمن اتقى الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه، لقى الله مستكملا لايمانه من اهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما امر الله فيها لقى الله ناقص الايمان.
عن أبي عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال بالزيادة بالايمان تتفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، قلت: وان للايمان درجات ومنازل يتفاضل بها المؤمنون عند الله ؟ قال: نعم، قلت: صف لى ذلك رحمك الله حتى أفهمه، قال، ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض، فقال: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات " الآية وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " و قال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات " وقال: " هم درجات عند الله " فهذا ذكر الله درجات الايمان ومنازله عند الله .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله عزوجل سبق بين المؤمنين كما سبق بين الخيل يوم الرهان، قلت: أخبرني عما ندب الله المؤمن من الاستباق إلى الايمان قال: قول الله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) وقال: (السابقون السابقون اولئك المقربون) وقال: (السابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) فبدأ بالمهاجرين الاولين على درجة سبقهم ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته ؟ وما الحجة فيها ؟ قال: قول الله:، (وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا) إلى قوله (رجسا إلى رجسهم) وقال (نحن نقص عليك نبأهم بالحق انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على أحد ولا يستوى النعمة فيه ولا يستوى الناس، وبطل التفضيل، ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، وبالنقصان منه دخل المفرطون النار .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال الكفر في كتاب الله على خمسة اوجه فمنها كفر البرائة [ وهو على قسمين ] كفر النعم والكفر بترك امر الله فالكفر بما نقول من أمر الله فهو كفر المعاصي وترك ما أمر الله عزوجل، وذلك قوله: " واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم " إلى قوله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " فكفرهم بتركهم ما أمر الله ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده، فقال: " فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزى " الاية إلى قوله عما تعملون.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه فمنها كفر النعم، وذلك قول الله يحكى قول سليمان " هذا من فضل ربى ليبلونئ أشكر أم اكفر " الاية وقال الله " لئن شكرتم لازيدنكم " وقال: " فاذكروني اذكركم واشكروا لى ولا تكفرون " .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال الله في كتابه يحكى قول اليهود " ان الله عهد الينا الا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان " الاية فقال: " فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " وانما نزل هذا في قوم اليهود وكانوا على عهد محمد صلى الله عليه وآله لم يقتلوا الانبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم، وانما قتل أوايلهم الذين كانوا من قبلهم فنزلوا بهم اولئك القتلة، فجعلهم الله منهم وأضاف إليهم فعل اوايلهم بما تبعوهم وتولوهم.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله قال: رحم الله عبدا تاب إلى الله قبل الموت، فان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، ومنقذة من شفا الهلكة فرض الله بها على نفسه لعباده الصالحين، فقال: " كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ".
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، قال: " يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا ان كنتم مؤمنين " إلى قوله " لا تظلمون " فهذا ما دعا الله إليه عباده من التوبة، ووعد عليها من ثوابه، فمن خالف ما أمره الله به من التوبة سخط الله عليه، وكانت النار أولى به وأحق.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله قال: رحم الله عبدا لم يرض من نفسه ان يكون ابليس نظيرا له في دينه وفى كتاب الله نجاة من الردى، وبصيرة من العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور، فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة قال الله: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " وقال: " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " فهذا ما امر الله به من الاستغفار، واشترط معه بالتوبة، والاقلاع عما حرم الله فانه يقول " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وهذه الآية تدل على ان الاستغفار لا يرفعه إلى الله الا العمل الصالح والتوبة.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله " وانى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال لهذه الاية تفسير يدل ذلك التفسير على ان الله لا يقبل من عبد عملا الا ممن لقيه بالوفاء منه بذلك التفسير، وما اشترط فيه على المؤمنين وقال: " انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة " يعنى كل ذنب عمله العبد وان كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، وقد قال في ذلك تبارك وتعالى يحكى قول يوسف لاخوته " هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ أنتم جاهلون " فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام ان مما استحقت به الامامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التى توجب النار ثم العلم المنور بجميع ما يحتاج إليه الامة من حلالها وحرامها، والعلم بكتابها خاصة وعامة، و المحكم والمتشابه، ودقايق علمه وغرايب تأويله وناسخه ومنسوخه، قلت: وما الحجة بان الامام لا يكون الا عالما بهذه الاشياء الذى ذكرت ؟ قال: قول الله فيمن اذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها " انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار " فهذه الائمة دون الانبياء الذين يربون الناس بعلمهم، واما الاحبار فهم العلماء دون الربانيين، ثم اخبر فقال " بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " ولم يقل بما حملوا منه.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن امة محمد صلى الله عليه وآله من هم ؟ قال: امة محمد بنو هاشم خاصة، قلت: فما الحجة في أمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم ؟ قال: قول الله " واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك التواب الرحيم " فلما أجاب الله ابراهيم واسمعيل وجعل من ذريتهما امة مسلمة وبعث فيها رسولا منها يعنى من تلك الامة، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ردف ابراهيم دعوته الاولى بدعوة الاخرى فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الاصنام ليصح أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال "واجنبني وبنى ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم " فهذه دلالة على انه لا تكون الائمة و الامة المسلمة التى بعث فيها محمد صلى الله عليه وآله الا من ذرية ابراهيم لقوله وأجنبنى وبنى ان نعبد الاصنام.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له ما الحجة في كتاب الله ان آل محمد هم اهل بيته ؟ قال: قول الله تبارك وتعالى " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد " هكذا نزلت " على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " ولا يكون الذرية من القوم الا نسلهم من اصلابهم.
عن ابى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله فهو من آل محمد لتوليه آل محمد لا انه من القوم بأعيانهم وانما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه اياهم، وكذلك حكم الله في كتابه: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) وقول ابراهيم: (فمن تبعني فانه منى و من عصاني فانك غفور رحيم).
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له أخبرني عن خروج الامامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين كيف ذلك وما الحجة فيه ؟ قال: لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز ان يردها إلى ولد أخيه ولا يوصى بها فيهم، يقول الله: (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فكان ولده أقرب رحما إليه من ولد أخيه، وكانوا أولى بالامامة وأخرجت هذه الاية ولد الحسن منها، فصارت الامامة إلى الحسين، وحكمت بها الآية لهم فهى فيهم إلى يوم القيمة.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله: " كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " قال: يعنى الامة التى وجبت لها دعوة ابراهيم عليه السلام، فهم الامة التى بعث الله فيها ومنها واليها، وهم الامة الوسطى وهم خير امة اخرجت للناس.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال في قوله " ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " قال: في هذه الاية تكفير أهل القبلة بالمعاصى، لانه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الامة التى وصفها [ الله ] لانكم تزعمون ان جميع المسلمين من امة محمد وقد بدت هذه الاية وقد وصفت امة محمد بالدعاء إلى الخير و الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصفة التى وصفت بها فكيف يكون من الامة وهو على خلاف ما شرطه الله على الامة ووصفها به.
در الکافي:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال:
حدثنا أبوعمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: مالا يقبل الله شيئا إلا به، قلت: وما هو؟ قال:
الايمان بالله الذي لا إله إلاهو، أعلى الاعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا، قال: قلت ألاتخبرني عن الايمان، أقول هو وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه، قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه، قال: الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراحج الزائد رجحانه، قلت: إن الايمان ليتم وينقص ويزيد؟ قال: نعم، قلت: كيف ذلك؟ قال: لان الله تبارك و تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به ا ختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره و منها عيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ; ولسانه الذي ينطق به ورأسه الذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها بفرض من الله تبارك اسمه، ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها. ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع وغير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله صلواله الله عليه وآله والاقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله عزوجل: " إلامن اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا " وقال: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " وقال: " الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " وقال: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فذلك ما فرض الله عزوجل على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان وفرض الله على اللسان القول التعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله تبارك وتعالى " وقولوا للناس حسنا " وقال: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " فهذا ما فرض الله على اللسان وهوعمله وفرض على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لايحل له مما نهى الله عزوجل عنه والاصغاء إلى ما أسخط الله عزوجل فقال في ذلك: " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ثم استثنى الله عزوجل موضع النسيان فقال: " وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعدالذكرى مع القوم الظالمين وقال: " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم الله واولئك هم اولوا الالباب " وقال عزو جل: " قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون " وقال: إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " وقال: " وإذا مروا باللغو مرواكراما " فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان أن لا يصغي إلى مالا يحل له وهو عمله وهو من الايمان وفرض على البصر أن لاينظر إلى ما حرم الله عليه وأن يعرض عما نهى الله عنه، مما لا يحل له وهو عمله وهو من الايمان، فقال تبارك وتعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " فنها هم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه وقال: " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " من أن تنظر إحدا هن إلى فرج اختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها وقال: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلود كم " يعني بالجلود: الفروج والافخاذ وقال: " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا " فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عزوجل وهو عملهما وهو من الايمان وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عزوجل وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلاة، فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلو وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " وقال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فذاء حتى تضع الحرب أوزارها " فهذاما فرض الله على اليدين لان الضرب من علاجهما وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شئ من معاصي الله وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عزوجل فقال: " ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا " وقال: " واقصد في مشيك و اغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير " وقال فيما شهدت الايدي والارجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عزوجل به وفرضه عليهما: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الايمان وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: " يا أيها الذين آمنوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين وقال: في موضع آخر: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عزوجل لما صرف نبيه (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عزوجل " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم " فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله عزوجل حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عزوجل عليها لقي الله عزوجل مستكملا لايمانه وهو من أهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما أمرالله عزوجل فيها لقي الله عزوجل ناقص الايمان، قلت: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول الله عزوجل: " وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم " وقال: " نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على الآخر ولا ستوت النعم فيه ولا ستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال:
حدثنا أبوعمر والزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إن للايمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل لذلك أو ائل هذه الامة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذاللحق آخر هذه الامة أولها، نعم ولتقد موهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الايمان الفضل على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين وبالابطاء عن الايمان أخر الله المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الاولين وأكثر هم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الاولين ولكن أبى الله عزوجل أن يدرك آخر درجات الايمان أولها، ويقدم فيها من أخر الله أو يؤ خر فيها من قدم الله. قلت: أخبرني عما ندب الله عزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول الله عزوجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله " وقال: " السابقون السابقون اولئك المقر بون " وقال: " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعو هم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " فبدأ بالماجرين الاولين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده، ثم ذكر ما فضل الله عزوجل به أولياء ه بعضهم على بعض، فقال عزوجل: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات إلى آخر الآية وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " وقال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وقال: " هم درجات عند الله " وقال: " ويؤت كل ذي فضل فضله " وقال: " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله " وقال:" فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عطيما * درجات منه ومغفرة ورحمة " وقال: " لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " وقال: " يرفع الله الذين آمنوامنكم والذين اوتوا العلم درجات " وقال: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظما ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عود نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح " وقال: " وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عندالله " وقال: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مقال ذرة شرايره " فهذا ذكر درجات الايمان ومنازله عند الله عزوجل.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد،
عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزوجل قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه.
فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين ; والكفر بترك ما أمر الله ; وكفر البراءة ; وكفر النعم. فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لارب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم: الدهرية وهم الذين يقولون " وما يهلكنا إلا الدهر وهو دين وضعوه لانفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشئ مما يقولون، قال الله عزوجل: " إن هم إلا يظنون " أن ذلك كما يقولون وقال: " إن الذين كفروا سواء عليهمء أنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون " يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحد وجوه الكفر. وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق، قد استقر عنده وقد قال الله عزوجل: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " وقال الله عزوجل: " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاء هم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " فهذا تفسير وجهي الجحود. والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان (عليه السلام) " هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " وقال: " لئن شكر تم لازيد نكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وقال: " فاذكروني أذكر كم واشكروالي ولا تكفرون ". والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عزوجل: " وإذا أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماء كم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم " فكفرهم بترك ما أمر الله عزوجل به ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال: " فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ". والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة وذلك قوله عزوجل يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): " كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ". يعني تبرأنا منكم، وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الانس يوم القيامة: " إني كفرت بما أشر كتموني من قبل " وقال: " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا " يعني يتبرء بعضكم من بعض.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد،
عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لايحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزوجل وآمن برسوله (صلى الله عليه وآله) ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل و إلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟ فقال: ذلك لقوم لايحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم، قلت: من اولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزو جل ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد قلت: فبين لي يرحمك الله، قال: إن الله تبارك وتعالى أخبر [نبيه] في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ويستدل بعضها على بعض فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره فبدأ بنفسه فقال: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ثم ثنى برسوله فقال: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " يعني بالقرآن ولم يكن داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر [به] في كتابه والذي أمر أن لايدعى إلا به " وقال: في نبيه (صلى الله عليه وآله): " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " يقول: تدعو، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه أيضا تبارك وتعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (أي يدعو) ويبشر المؤمنين " ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون " ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة، دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمة إبراهيم (عليه السلام) الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله: " أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " يعني أول من اتبعه على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزوجل من الامة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ولم يلبس أيمانه بظلم وهوالشرك، ثم ذكر أتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) وأتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه وأذن لها في الدعاء وإليه فقال: " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " ثم وصف أتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين فقال عزوجل: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراههم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل " وقال: " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " يعني اولئك المؤمنين، وقال: " قد أفلح المؤمنون " ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم إلا من كان منهم فقال فيما حلاهم به ووصفهم: " الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذينهم عن اللغو معرضون - إلى قوله - اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " وقال في صفتهم وحليتهم أيضا: " الذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا " ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم " أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن " ثم ذكر وفاء هم له بعهده ومبايعته فقال: " ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " فلما نزلت هذه الآية: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " قام رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا نبي الله أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله: " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " ففسر النبي (صلى الله عليه وآله) المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة و قال: التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء. السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. وذلك أن جميع مابين السماء والارض لله عزوجل ولرسوله ولاتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمولي عن طاعتهما مماكان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما أفاء الله على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه أوفيه، فمارجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فأمثل قول الله عزوجل: " للذين يؤلون من نسائهم تربص [أربعه أشهر] فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم " أي رجعوا، ثم قال: " وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عيلم " وقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله (أي ترجع) فإن فاءت (أي رجعت) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " يعني بقوله: " تفيئ " ترجع فذلك الدليل على أن الفيئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه. ويقال للشمس إذا زالت: قد فاءت الشمس حين يفيئ الفيئ عند رجوع الشمس إلى زوالها وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فإنماهي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم فذلك قوله: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " ما كان المؤمنون أحق به منهم وإنما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها وذلك أنه لايكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ولايكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشترط الله عزوجل على المؤمنين و المجاهدين فأذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا وإذا كان مؤمنا كان مظلوما وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " وإن لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال، فلما نزلت هذه الآية: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمهم إياهم واذن لهم في القتال.
فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لوكان إنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل لان الذين ظلموهم غير هم وإنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لاخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذ [ا] لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم [إذا لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد] وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم فقد قاتلوهم بإذن الله عزوجل لهم في ذلك وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان وإنما أذن الله عزوجل للمؤمنين الذين قاموا بما وصف [ها] الله عزوجل من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف لانه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنون بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ولايكون داعيا إلى الله عزوجل من امربدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عنه، فمن كانت قد تمت فيه شرائط الله عزوجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الاولون ويحاسبون عما به يحاسبون و من لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتى يفيئ بما شرط الله عزوجل عليه فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد فليتق الله عزوجل عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزوجل عنها من هذه الاحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ولا يقدم على الله عزوجل بشبهة لايعذربها فإنه ليس وراء المعترض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها فليحكم امرء لنفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد، وإن علم تقصيرا فليصلحا و ليقمها على مافرض الله عليها من الجهاد ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين: لاتجاهدوا ولكن نقول: قد علمنا كم ما شرط الله عزوجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرء ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك وليعرضها على شرائط الله فإن رأى أنه قد وفى بها وتكاملت فيه فإنه ممن أذن الله عزوجل له في الجهاد فإن أبى أن لا يكون مجاهدا على مافيه من الاصرار على المعاصي والمحارم والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى و القدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة، فلقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذاالفعل " أن الله عزوجل ينصر هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم " فليتق الله عزوجل أمرء وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير.
در تهذيب الأحکام شيخ طوسی:
عنه (يعنی علي بن ابراهيم) عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن ابي عمرو الزبيري عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: اخبرني عن الدعاء إلى الله عزوجل والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم ؟ أو هو مباح لكل من وحد الله تعالى وآمن برسوله (صلى الله عليه وآله) ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزوجل والى طاعته وان يجاهد في سبيل الله تعالى ؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم قلت: ومن اولئك ؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله عزوجل حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: فبين لي يرحمك الله ؟ قال: ان الله تعالى اخبر في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها ببعض ويستدل ببعضها على بعض فأخبر انه تعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته باتباع أمره فبدا بنفسه فقال عزوجل: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ثم ثنى برسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) يعني بالقرآن، فلا يكون داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ودعا إليه بغير ما امر الله عزوجل في كتابه الذي امر أن لا يدعى إلا به وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) يقول تدعو، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه ايضا فقال تعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم).
در تفسير علي بن ابراهيم القمي:
حدثني ابي عن بكر بن صالح عن ابي عمر الزبيدي (الزبيري ظ) عن ابي عبد الله (ع) قال الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه فمنه كفر بجحود وهو على وجهين جحود بعلم وجحود بغير علم فاما الذين جحدوا بغير علم فهم الذين حكاه الله عنهم في قوله (وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون) وقوله " ان الذين كفروا سواء عليهم أانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون " فهؤلآء كفروا وجحدوا بغير علم واما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فهؤلآء كفروا وجحدوا بعلم ... (در اينجا روايتی ديگر را تلفيق کرده و باز علی الظاهر بازگشته به منبع اصلی از زبيري:) ومنه كفر البراءة وهو قوله " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " اي يتبرأ بعضكم من بعض، ومنه كفر الشرك لما امر الله وهو قوله " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر " اي ترك الحج وهو مستطيع فقد كفر، ومنه كفر النعم وهو قوله " ليبلونئ اشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر " - اي ومن لم يشكر - نعمة الله فقد كفر فهذه وجوه الكفر في كتاب الله.
در تفسير العيّاشي:
عن أبى عمرو الزبيري عن ابى عبد الله صلوات الله عليه قال: ان الله تبارك و - تعالى فرض الايمان على جوارح بنى آدم، وقسمه عليها، فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت به من الايمان بغير ما وكلت به اختها، ومنها عيناه اللتان ينظر بهما و رجلاه اللتان يمشى، ففرض على العين ان لا تنظر إلى ما حرم الله عليه وان تغض عما نهاه الله عنه مما لا يحل له، وهو عمله وهو من الايمان قال الله تبارك وتعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) فهذا ما فرض الله من غض البصر عما حرم الله وهو عملها وهو من الايمان، وفرض الله على الرجلين ان لا يمشى بهما الي شئ من معاصي الله وفرض عليهما المشى فيما فرض الله فقال: (ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا) و قال: (واقصد في شيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير).
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله فرض الايمان على جوارح بنى آدم وقسم عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذى به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذى لا يرد الجوارح ولا يصدر الا عن رأيه وأمره. فاما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بان لا اله الا هو وحده لا شريك له الها واحدا. لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله من نبى أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله تعالى: " الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا " وقال: " الا بذكر الله تطمئن القلوب " وقال " الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " وقال: " ان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك و تعالى فرض الايمان على جوارح بنى آدم، وقسمه عليها، فليس من جوارحه جارحة الا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت اختها، فمنها اذناه اللتان يسمع بهما، ففرض على السمع ان يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وان يعرض عما لا يحل له فيما نهى الله عنه، والاصغاء إلى ما اسخط الله تعالى، فقال في ذلك " وقد نزل عليكم في الكتاب " إلى قوله " حتى يخوضوا في حديث غيره " ثم استثنى موضع النسيان فقال: " واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين " وقال: " فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " إلى قوله " اولوا الالباب " وقال: " قد افلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون والذينهم عن اللغو معرضون " وقال: " وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه " وقال: " وإذا مروا باللغوا مروا كراما " فهذا ما فرض الله على السمع من الايمان ولا يصغى إلى ما لا يحل وهو عمله وهو من الايمان.
قال أبو عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له ألا تخبرني عن الايمان أقول هو وعمل ام قول بلا عمل ؟ فقال: الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل، مفرض من الله مبين في كتابه واضح نوره، ثابتة حجته يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه ولما ان أصرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبى: أرايت صلاتنا التى كنا نصلى إلى بيت المقدس ما حالنا فيها، وما حال من مضى من امواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله " وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم " فسمى الصلوة ايمانا فمن اتقى الله حافظا لجوارحه موفيا كل جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه، لقى الله مستكملا لايمانه من اهل الجنة ومن خان في شئ منها أو تعدى ما امر الله فيها لقى الله ناقص الايمان.
عن أبي عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال بالزيادة بالايمان تتفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، قلت: وان للايمان درجات ومنازل يتفاضل بها المؤمنون عند الله ؟ قال: نعم، قلت: صف لى ذلك رحمك الله حتى أفهمه، قال، ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض، فقال: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات " الآية وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " و قال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات " وقال: " هم درجات عند الله " فهذا ذكر الله درجات الايمان ومنازله عند الله .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان الله عزوجل سبق بين المؤمنين كما سبق بين الخيل يوم الرهان، قلت: أخبرني عما ندب الله المؤمن من الاستباق إلى الايمان قال: قول الله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) وقال: (السابقون السابقون اولئك المقربون) وقال: (السابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) فبدأ بالمهاجرين الاولين على درجة سبقهم ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قد فهمت نقصان الايمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته ؟ وما الحجة فيها ؟ قال: قول الله:، (وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا) إلى قوله (رجسا إلى رجسهم) وقال (نحن نقص عليك نبأهم بالحق انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على أحد ولا يستوى النعمة فيه ولا يستوى الناس، وبطل التفضيل، ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، وبالنقصان منه دخل المفرطون النار .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال الكفر في كتاب الله على خمسة اوجه فمنها كفر البرائة [ وهو على قسمين ] كفر النعم والكفر بترك امر الله فالكفر بما نقول من أمر الله فهو كفر المعاصي وترك ما أمر الله عزوجل، وذلك قوله: " واذ اخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم " إلى قوله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " فكفرهم بتركهم ما أمر الله ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده، فقال: " فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزى " الاية إلى قوله عما تعملون.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه فمنها كفر النعم، وذلك قول الله يحكى قول سليمان " هذا من فضل ربى ليبلونئ أشكر أم اكفر " الاية وقال الله " لئن شكرتم لازيدنكم " وقال: " فاذكروني اذكركم واشكروا لى ولا تكفرون " .
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال الله في كتابه يحكى قول اليهود " ان الله عهد الينا الا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان " الاية فقال: " فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين " وانما نزل هذا في قوم اليهود وكانوا على عهد محمد صلى الله عليه وآله لم يقتلوا الانبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم، وانما قتل أوايلهم الذين كانوا من قبلهم فنزلوا بهم اولئك القتلة، فجعلهم الله منهم وأضاف إليهم فعل اوايلهم بما تبعوهم وتولوهم.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله قال: رحم الله عبدا تاب إلى الله قبل الموت، فان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، ومنقذة من شفا الهلكة فرض الله بها على نفسه لعباده الصالحين، فقال: " كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ".
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: ان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، قال: " يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا ان كنتم مؤمنين " إلى قوله " لا تظلمون " فهذا ما دعا الله إليه عباده من التوبة، ووعد عليها من ثوابه، فمن خالف ما أمره الله به من التوبة سخط الله عليه، وكانت النار أولى به وأحق.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله قال: رحم الله عبدا لم يرض من نفسه ان يكون ابليس نظيرا له في دينه وفى كتاب الله نجاة من الردى، وبصيرة من العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور، فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة قال الله: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " وقال: " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " فهذا ما امر الله به من الاستغفار، واشترط معه بالتوبة، والاقلاع عما حرم الله فانه يقول " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وهذه الآية تدل على ان الاستغفار لا يرفعه إلى الله الا العمل الصالح والتوبة.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله " وانى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " قال لهذه الاية تفسير يدل ذلك التفسير على ان الله لا يقبل من عبد عملا الا ممن لقيه بالوفاء منه بذلك التفسير، وما اشترط فيه على المؤمنين وقال: " انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة " يعنى كل ذنب عمله العبد وان كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه، وقد قال في ذلك تبارك وتعالى يحكى قول يوسف لاخوته " هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ أنتم جاهلون " فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام ان مما استحقت به الامامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التى توجب النار ثم العلم المنور بجميع ما يحتاج إليه الامة من حلالها وحرامها، والعلم بكتابها خاصة وعامة، و المحكم والمتشابه، ودقايق علمه وغرايب تأويله وناسخه ومنسوخه، قلت: وما الحجة بان الامام لا يكون الا عالما بهذه الاشياء الذى ذكرت ؟ قال: قول الله فيمن اذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها " انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار " فهذه الائمة دون الانبياء الذين يربون الناس بعلمهم، واما الاحبار فهم العلماء دون الربانيين، ثم اخبر فقال " بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " ولم يقل بما حملوا منه.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن امة محمد صلى الله عليه وآله من هم ؟ قال: امة محمد بنو هاشم خاصة، قلت: فما الحجة في أمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم ؟ قال: قول الله " واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك التواب الرحيم " فلما أجاب الله ابراهيم واسمعيل وجعل من ذريتهما امة مسلمة وبعث فيها رسولا منها يعنى من تلك الامة، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ردف ابراهيم دعوته الاولى بدعوة الاخرى فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الاصنام ليصح أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال "واجنبني وبنى ان نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه منى ومن عصاني فانك غفور رحيم " فهذه دلالة على انه لا تكون الائمة و الامة المسلمة التى بعث فيها محمد صلى الله عليه وآله الا من ذرية ابراهيم لقوله وأجنبنى وبنى ان نعبد الاصنام.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له ما الحجة في كتاب الله ان آل محمد هم اهل بيته ؟ قال: قول الله تبارك وتعالى " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد " هكذا نزلت " على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " ولا يكون الذرية من القوم الا نسلهم من اصلابهم.
عن ابى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله فهو من آل محمد لتوليه آل محمد لا انه من القوم بأعيانهم وانما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه اياهم، وكذلك حكم الله في كتابه: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) وقول ابراهيم: (فمن تبعني فانه منى و من عصاني فانك غفور رحيم).
عن أبى عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له أخبرني عن خروج الامامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين كيف ذلك وما الحجة فيه ؟ قال: لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز ان يردها إلى ولد أخيه ولا يوصى بها فيهم، يقول الله: (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فكان ولده أقرب رحما إليه من ولد أخيه، وكانوا أولى بالامامة وأخرجت هذه الاية ولد الحسن منها، فصارت الامامة إلى الحسين، وحكمت بها الآية لهم فهى فيهم إلى يوم القيمة.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله: " كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " قال: يعنى الامة التى وجبت لها دعوة ابراهيم عليه السلام، فهم الامة التى بعث الله فيها ومنها واليها، وهم الامة الوسطى وهم خير امة اخرجت للناس.
عن أبى عمرو الزبيري عن أبى عبد الله عليه السلام قال في قوله " ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " قال: في هذه الاية تكفير أهل القبلة بالمعاصى، لانه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الامة التى وصفها [ الله ] لانكم تزعمون ان جميع المسلمين من امة محمد وقد بدت هذه الاية وقد وصفت امة محمد بالدعاء إلى الخير و الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصفة التى وصفت بها فكيف يكون من الامة وهو على خلاف ما شرطه الله على الامة ووصفها به.
چهارشنبه ۲۷ تير ۱۳۸۶ ساعت ۱۹:۲۷
نمایش ایمیل به مخاطبین
نمایش نظر در سایت
۲) از انتشار نظراتی که فاقد محتوا بوده و صرفا انعکاس واکنشهای احساسی باشد جلوگیری خواهد شد .
۳) لطفا جهت بوجود نیامدن مسائل حقوقی از نوشتن نام مسئولین و شخصیت ها تحت هر شرایطی خودداری نمائید .
۴) لطفا از نوشتن نظرات خود به صورت حروف لاتین (فینگلیش) خودداری نمایید .