الأشعري ومدرسته الكلامية
ومنذ أواخر القرن الثالث الهجري، حصل عند أهل السنة والفقهاء تطور نحو القبول بالأساليب الكلامية، وتقديم منظومة كلامية سنية، والدفاع عن عقائد السنة (والتي تعرف فيما بعد ب "أهل السنة والجماعة") بطريقة الجدل الكلامي. وكان أبو الحسن الأشعري ذا طريقة خاصة في هذا المجال، إذ إنه سلك طريقة من تقدمه في هذا الميدان، من أمثال ابن كلاّب والقلانسي، وأسّس مدرسة جديدة في علم الكلام، تسمى فيما بعد بالأشعرية. والأشعري اختلف في كثير من المسائل مع عقائد أصحاب الحديث السني. صحيح أنّه نسب إليه كتاب "الإبانة"؛ وهو كتاب في العقيدة حسب معتقد أصحاب الحديث، إلا أننا لا بد أن نكون حذرين تجاه ما نسب إليه؛ لأنه كان يعيش مراحل مختلفة في حياته الفكرية، وقد تتلمذ في مرحلة من حياته على أبي علي الجبائي؛ وعلی کل حال له كتب كلامية بامتياز، يدافع فيها عن علم الكلام والنظر، وله آراء مختلفة مع آراء وعقائد أصحاب الحديث. ومع نشر كتاب مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري لابن فورك (المتوفى سنة 406 هـ)، فإن لدينا الآن فقرات عديدة من كتبه الكلامية، ونعرف من خلال هذا الکتاب أنه هو الذي تحرّک في إبداء آراء كلامية بإمتياز كانت تستمر عند تلامذته ومدرسته في القرون التالية.
وکان المتكلمون الأشاعرة فيما بعد مختلفون فيما بينهم تجاه عقيدة السلف،كما يمثلها أصحاب الحديث والحنابلة مثل أحمد بن حنبل؛ فبعضهم أقرب إلى الحنابلة ويميل أكثر من غيرهم إلى عدم تأويل الآيات والأحاديث في موضوع الصفات الإلهية. وأما أصحاب الحديث والحنابلة فلهم آراء متعددة حول مختلف تيارات المتكلمين علی أساس مدى تقارب هؤلاء إلى السنة وعقيدة السلف؛ ولكن لا بد من القول إنه ومع تزايد الخلافات بين المتكلمين الأشاعرة وبين الحنابلة والتي نتجت عن استلزامات كلامية جديدة، وقبول الأشاعرة لبعض مبادىء المعتزلة مثل ما نرى مع إمام الحرمين الجويني (المتوفي سنة 478 هـ) في قبوله نظرية الأحوال، فإنه كان من الطبيعي بروز أدب "الرد على الأشاعرة" من قبل الحنابلة وأصحاب الحديث في أمورٍ عدة؛ مثل اعتقاد الأشاعرة بالكلام النفسي القديم، وحدوث الكتاب المنزل لله المتكلم بالكلام النفسي، الذي هو صفة له قديمة بذاته، وهو ليس من جنس الحروف والأصوات خلافاً للمصحف المنزل.
أما عقيدة الأشاعرة الإثباتية (عقيدة المثبتة / الصفاتية) في الصفات الإلهية، وقبول نظرية الصفات بصورة تتناسب مع الفاعلية المطلقة لله، ورفضهم النظرية التنزيهية المطلقة المغايرة مع الوجود الشخصي لله، وتأييدهم لعدم الانفلات في التأويل الشامل للصفات التشبيهية في القرآن والأحاديث (وإن قبلوا نظرية التأويل كمبدأ وحتى أحياناً قبلوا نظرية الكيفية المجهولة مع التأكيد على عدم التشبيه بكل الأشكال)، مثل قولهم بالرؤية (رؤية الله في الآخرة)؛ فإنها جاءت عن حقيقة صلتهم بمتكلمي السنة، وصلتهم بأطياف داخل التقليد الحديثي / الفقهي والمتبع للسنة/ الجماعة مع وجود نزعة كلامية / جدلية والمستفيدة من العقلية الكلامية عندهم. من جهة أخرى، فإن المتكلمين الأشاعرة ومع اعتقادهم بفاعلية الله المطلقة والتوحيد الأفعالي، اعتبروا أنه لا يوجد حلّ لإشكالية القضاء والقدر الإلهيين إن لم نعتقد بعدم قدرة العبد في خلق افعاله؛ ولذلك رأوا أن في نظرية "الكسب" إمكانية لها أهمية خاصة في أن نعمل لأجل التوافق بين إطلاقية قدرة الله، وبين مسؤولية الإنسان حسب الشريعة الإسلامية.
وأما الجيل الثاني من المتكلمين الأشاعرة الذين أخذوا من تلاميذ أبي الحسن الأشعري، كابن فورك وأبي إسحاق الإسفراييني (المتوفى سنة 418 هـ)، وأبي بكر الباقلاني (المتوفى سنة 403 هـ)، قد عملوا في تهذيب وتنظيم المنظومة الكلامية لأبي الحسن الأشعري وتصنيف كتب تنظم العقيدة الأشعرية على غرار تنظيم الكتب الكلامية والكلاسيكية. وكان لابن فورك اهتمام لنشر الفكر الأشعري في خراسان، وتقديم صورة عن الأشعرية تتناسب وعقيدة السنة، ومحاولة تقديم المنظومة العقدية التاريخية لأهل السنة والجماعة بصورة تتناسب مع المبادىء الكلامية المقبولة عند المتكلمين الأشاعرة. أما الباقلاني فقد قدّم الكلام الأشعري في كتب کلامية شاملة، وردّ على المعتزلة والإمامية (الرافضة بحسب تعبير خصومهم) وغيرهم من أصحاب الفرق والمذاهب الكلامية. وحاول تحكيم الأسس الكلامية للعقيدة الأشعرية. وانتشر مع هؤلاء المتكلمين الكلام الأشعري عند الشافعية والمالكية في أقطار العالم الإسلامي، ولکن قد واجهت الأشعرية في القرنين الخامس والسادس مشكلة الشرعية، وعدم القبول من قبل تيارات من أهل السنة أنفسهم، وخاصة من قبل الحنابلة وأصحاب الحديث.
وفي حين أن الكلام الأشعري جرى تدوينه من قبل المتكلمين الأشاعرة في القرون التالية، فإنه كانت هناك أيضاً محاولات لتقديم صورة عقائدية مأثورة تتلاءم والعقيدة الأشعرية من جهة، والآثار الحديثية والسنن المأثورة عن السلف من جهة أخرى، وهذه المحاولة جاءت من قبل محدثي وفقهاء الشافعية، والذين كانوا يدافعون تقليدياً عن عقائد الأشعرية بطبيعة الحال.
ومنذ أواخر القرن الثالث الهجري، حصل عند أهل السنة والفقهاء تطور نحو القبول بالأساليب الكلامية، وتقديم منظومة كلامية سنية، والدفاع عن عقائد السنة (والتي تعرف فيما بعد ب "أهل السنة والجماعة") بطريقة الجدل الكلامي. وكان أبو الحسن الأشعري ذا طريقة خاصة في هذا المجال، إذ إنه سلك طريقة من تقدمه في هذا الميدان، من أمثال ابن كلاّب والقلانسي، وأسّس مدرسة جديدة في علم الكلام، تسمى فيما بعد بالأشعرية. والأشعري اختلف في كثير من المسائل مع عقائد أصحاب الحديث السني. صحيح أنّه نسب إليه كتاب "الإبانة"؛ وهو كتاب في العقيدة حسب معتقد أصحاب الحديث، إلا أننا لا بد أن نكون حذرين تجاه ما نسب إليه؛ لأنه كان يعيش مراحل مختلفة في حياته الفكرية، وقد تتلمذ في مرحلة من حياته على أبي علي الجبائي؛ وعلی کل حال له كتب كلامية بامتياز، يدافع فيها عن علم الكلام والنظر، وله آراء مختلفة مع آراء وعقائد أصحاب الحديث. ومع نشر كتاب مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري لابن فورك (المتوفى سنة 406 هـ)، فإن لدينا الآن فقرات عديدة من كتبه الكلامية، ونعرف من خلال هذا الکتاب أنه هو الذي تحرّک في إبداء آراء كلامية بإمتياز كانت تستمر عند تلامذته ومدرسته في القرون التالية.
وکان المتكلمون الأشاعرة فيما بعد مختلفون فيما بينهم تجاه عقيدة السلف،كما يمثلها أصحاب الحديث والحنابلة مثل أحمد بن حنبل؛ فبعضهم أقرب إلى الحنابلة ويميل أكثر من غيرهم إلى عدم تأويل الآيات والأحاديث في موضوع الصفات الإلهية. وأما أصحاب الحديث والحنابلة فلهم آراء متعددة حول مختلف تيارات المتكلمين علی أساس مدى تقارب هؤلاء إلى السنة وعقيدة السلف؛ ولكن لا بد من القول إنه ومع تزايد الخلافات بين المتكلمين الأشاعرة وبين الحنابلة والتي نتجت عن استلزامات كلامية جديدة، وقبول الأشاعرة لبعض مبادىء المعتزلة مثل ما نرى مع إمام الحرمين الجويني (المتوفي سنة 478 هـ) في قبوله نظرية الأحوال، فإنه كان من الطبيعي بروز أدب "الرد على الأشاعرة" من قبل الحنابلة وأصحاب الحديث في أمورٍ عدة؛ مثل اعتقاد الأشاعرة بالكلام النفسي القديم، وحدوث الكتاب المنزل لله المتكلم بالكلام النفسي، الذي هو صفة له قديمة بذاته، وهو ليس من جنس الحروف والأصوات خلافاً للمصحف المنزل.
أما عقيدة الأشاعرة الإثباتية (عقيدة المثبتة / الصفاتية) في الصفات الإلهية، وقبول نظرية الصفات بصورة تتناسب مع الفاعلية المطلقة لله، ورفضهم النظرية التنزيهية المطلقة المغايرة مع الوجود الشخصي لله، وتأييدهم لعدم الانفلات في التأويل الشامل للصفات التشبيهية في القرآن والأحاديث (وإن قبلوا نظرية التأويل كمبدأ وحتى أحياناً قبلوا نظرية الكيفية المجهولة مع التأكيد على عدم التشبيه بكل الأشكال)، مثل قولهم بالرؤية (رؤية الله في الآخرة)؛ فإنها جاءت عن حقيقة صلتهم بمتكلمي السنة، وصلتهم بأطياف داخل التقليد الحديثي / الفقهي والمتبع للسنة/ الجماعة مع وجود نزعة كلامية / جدلية والمستفيدة من العقلية الكلامية عندهم. من جهة أخرى، فإن المتكلمين الأشاعرة ومع اعتقادهم بفاعلية الله المطلقة والتوحيد الأفعالي، اعتبروا أنه لا يوجد حلّ لإشكالية القضاء والقدر الإلهيين إن لم نعتقد بعدم قدرة العبد في خلق افعاله؛ ولذلك رأوا أن في نظرية "الكسب" إمكانية لها أهمية خاصة في أن نعمل لأجل التوافق بين إطلاقية قدرة الله، وبين مسؤولية الإنسان حسب الشريعة الإسلامية.
وأما الجيل الثاني من المتكلمين الأشاعرة الذين أخذوا من تلاميذ أبي الحسن الأشعري، كابن فورك وأبي إسحاق الإسفراييني (المتوفى سنة 418 هـ)، وأبي بكر الباقلاني (المتوفى سنة 403 هـ)، قد عملوا في تهذيب وتنظيم المنظومة الكلامية لأبي الحسن الأشعري وتصنيف كتب تنظم العقيدة الأشعرية على غرار تنظيم الكتب الكلامية والكلاسيكية. وكان لابن فورك اهتمام لنشر الفكر الأشعري في خراسان، وتقديم صورة عن الأشعرية تتناسب وعقيدة السنة، ومحاولة تقديم المنظومة العقدية التاريخية لأهل السنة والجماعة بصورة تتناسب مع المبادىء الكلامية المقبولة عند المتكلمين الأشاعرة. أما الباقلاني فقد قدّم الكلام الأشعري في كتب کلامية شاملة، وردّ على المعتزلة والإمامية (الرافضة بحسب تعبير خصومهم) وغيرهم من أصحاب الفرق والمذاهب الكلامية. وحاول تحكيم الأسس الكلامية للعقيدة الأشعرية. وانتشر مع هؤلاء المتكلمين الكلام الأشعري عند الشافعية والمالكية في أقطار العالم الإسلامي، ولکن قد واجهت الأشعرية في القرنين الخامس والسادس مشكلة الشرعية، وعدم القبول من قبل تيارات من أهل السنة أنفسهم، وخاصة من قبل الحنابلة وأصحاب الحديث.
وفي حين أن الكلام الأشعري جرى تدوينه من قبل المتكلمين الأشاعرة في القرون التالية، فإنه كانت هناك أيضاً محاولات لتقديم صورة عقائدية مأثورة تتلاءم والعقيدة الأشعرية من جهة، والآثار الحديثية والسنن المأثورة عن السلف من جهة أخرى، وهذه المحاولة جاءت من قبل محدثي وفقهاء الشافعية، والذين كانوا يدافعون تقليدياً عن عقائد الأشعرية بطبيعة الحال.
دوشنبه ۶ آبان ۱۳۸۷ ساعت ۱۹:۴۷
نمایش ایمیل به مخاطبین
نمایش نظر در سایت
۲) از انتشار نظراتی که فاقد محتوا بوده و صرفا انعکاس واکنشهای احساسی باشد جلوگیری خواهد شد .
۳) لطفا جهت بوجود نیامدن مسائل حقوقی از نوشتن نام مسئولین و شخصیت ها تحت هر شرایطی خودداری نمائید .
۴) لطفا از نوشتن نظرات خود به صورت حروف لاتین (فینگلیش) خودداری نمایید .