آرشیو
آمار بازدید
بازدیدکنندگان تا کنون : ۲٫۰۴۷٫۴۰۷ نفر
بازدیدکنندگان امروز : ۸۰ نفر
تعداد یادداشت ها : ۲٫۰۸۵
بازدید از این یادداشت : ۲٫۱۴۰

پر بازدیدترین یادداشت ها :
<p>آنچه در پی می آيد و در چند شماره اين گاهنوشت منتشر می شود، مقاله ای است از نويسنده اين سطور که سه سال پيش تحرير آن پايان گرفت و تاکنون منتشر نشده است. در آغاز بنا بود که اين مقاله همراه مستندات آن در يک مجموعه مقالات منتشر شود، اما انتشار آن مجموعه تاکنون به تعويق افتاده و نويسنده نيز بيش از اين ضرورتی در عدم انتشار آن نمی بيند. اين مقاله در اصل از مجموعه يادداشتهای اينجانب برای تحرير يک کتاب جامع درباره تاريخ علم کلام فراهم آمد و به اقتضای آن مجموعه مقالات شکلی موجز گونه به خود گرفت. در مقاله ای که برای آن مجموعه فراهم گرديد، ارجاعات بسياری هم برای مطالب اين مقاله در پايان آن ارائه گرديده بود که در اينجا آن يادداشتها حذف می شوند، به اميد آنکه اگر آن مجموعه مقالات روزی منتشر شود، بخشی تازه به همراه داشته باشد. به دليل آنکه سر ويستار آن مجموعه مقالات از اساس قصد داشت که آن کتاب را در بيروت و به زبان عربی منتشر کند، نويسنده اين سطور هم مقاله خود را به عربی تحرير کرده است. از اينرو از خوانندگانی که زبان عربی نمی دانند همينجا عذر می خواهم. اين مقاله را پيش از اين جناب آقای پروفسور رشدی راشد که به درخواست و لطف ايشان اين مقاله آماده شد و همواره از دانش وسيع ايشان بهره مند بوده ام، از نظر گذرانيده اند. همچنين از دوست و سرور  عزيزم دانشمند ممتاز آقای دکتر حسين معصومی همداني که بخشهايی از اين مقاله را خواندند و همچون هميشه پيشنهاداتی عالی ارائه فرمودند تشکر می کنم. همينجا اين مقاله را به ايشان تقديم می کنم.   </p><p /><p />
علم الكلام في الاسلام : الخطاب والتاريخ

التحولات السياسية:
بدأ علم الكلام الإسلامي كسائر العلوم الإسلامية في امتدادات الأجواء الدينية، والمذهبية التي عاشها المسلمون بعد رحيل النبي محمد (ص) سنة 11 هـ. إذ بحسب ما تنبىء به الصورة التاريخية التقليدية الإسلامية؛ ففي القرن الأول الهجري، وانطلاقاً من سقيفة بني ساعدة، واختيار ابن أبي قحافة (الخلافة ما بين 11-13 هـ ) خليفة للنبي محمد (ص) من قبل الصحابة، أو لنقل قسماً كبيراً منهم، فقد بدأ الخلاف جزيياً حول هذا الاختيار. إذ إن قسماً منهم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب ( الخليفة ما بين 35- 40 هـ ) وهو ابن عم النبي "ص"، ويناصره ويتبعه وجوه من بني هاشم عارضوا هذا الاختيار، حسب المصادر التاريخية. من هنا برز الخلاف بينهم وأتباعهم من جهة، وبين الخلافة التي اختارها بعضهم ممثلة بأبي بكر وعمر بن الخطاب ( الخلافة ما بين 13- 23 هـ ) من جهة أخرى.
هذا، وقد تحرك الخلاف مع انطلاقة الفتوحات شيئاً فشيئاً، نحو خارج الجزيرة العربية. فهو، وإن بدأ كخلاف سياسي حول الخلافة واستحقاقاتها، إلا أنه ما لبث أن تحول إلى خلاف سياسي/مذهبي، ذي أبعاد سياسية، واجتماعية، ودينية وحتى فكرية أساسية. طوال القرنين الأول والثاني الهجريين.
ولكي تتضح الصورة أكثر لما جرى حول بدايات وجذور الخلافات السياسية، فلنبدأ من دعائم المجتمع الإسلامي الأول. ففي الواقع، يمكن القول إن المجتمع الإسلامي في المدينة كان مجتمعاً ساذجاً، لم تكن فيه مؤسسة سوى النبي (ص) أو كبار الصحابة، وإن كانت فيه سلطة مركزية مدعومة من سلطة روحية – دينية، ومن الوحي الإلهي. نعم، كانت تسوده ثقافات أو عادات، وربما بقايا من مؤسسات لعصر ما قبل الإسلام، أي ما تسمى كلاسيكياً بالجاهلية.
ومع وفاة النبي (ص)، دخلت هذه الجدلية، والعلاقة في أزمة؛ إذ تحولت المدينة والجزيرة العربية من مجتمع يرأسه النبي (ص) إلى مجتمعٍ يرأسه الخليفة، هذا الخليفة، مختلف فيه أصلاً. وفي مدى سلطته، ومصدرها بين الصحابة والمسلمين؛ وذلك على أساس فهمهم وإدراكهم للديانة الجديدة.
وقد كان من نتائج هذه الخلافات التي ما لبثت ان تحركت نحو الأطراف/ الأمصار، وقعة الردة في عصر خلافة أبي بكر. فهذه الخلافات حول خلافة أبي بكر وبيعة القبائل، وطاعتهم له، وإن كان لها سياق قبائلي عربي، ويمكن فهمها في ظل هذا، إلا أنه يمكن تفسيرها في ذلك الإطار السياسي/ المذهبي أيضاً.
في هذا السياق، وحسب الاعتقاد الإسلامي والصورة التاريخية للمسلمين، لا يمكن تجاهل الجو الديني الذي أوجدته حركة النبي (ص)، والنظرة الجديدة للعالم، والإنسان التي بيّنها النبي (ص) وورثها المؤمنون، في تطلع إلى مجتمع توحيدي طهوري، تسود فيه العدالة والمساواة بين الناس في اعلى درجاتها. وقد رفض النبي (ص) الهرمية الاجتماعية في العصر الجاهلي؛ بحيث كانت دعوته انقلاباً عليها وعلى ثقافتها ومعالمها وقيمها. وهذا ما أكده الاعتقاد الإسلامي. إذ إن هذه الهرمية كانت تتحكم وتدعم من قبل المعتقدات الوثنية، أو الإلحادية عند العرب الجاهليين؛ ولذلك، فمن الطبيعي أن تلعب الدعوة الإسلامية دوراً حاسماً في الجدلية الجديدة بين المركز/ الأطراف والدولة (المدينة) القبائل.
وقد أدى بدء الفتوحات في اوائل القرن الأول الهجري إلى حلّ بعض الأزمات والمشكلات، بين الخلافة المركزية والقبائل العربية الحديثة إسلاماً، وبهذا دخل المسلمون في العالم، وأخذت دعوتهم في الانتشار والحكم والتحول مع المعطيات الجديدة. وبهذا تغيّر الوضع السياسي للمسلمين، ومع هذه النظرة الدينية تغيّرت كثير من المفاهيم- المبادىء، ومن هذه المفاهيم مفهوم الأمة، وموقع النبي (ص) فيها، وموقع الشريعة، وجدلية الأمة والدولة.
هذا إلى جانب تغييرات في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وكذلك سياسية ومؤسساتية داخل الحكم المركزي في المدينة.
ومع هذه التغييرات ظهرت خلافات أخرى في مواضع شتى؛ منها: موقع الخليفة السياسي والديني. ومنها يدور حول وظائف الدولة، وعلاقتها بالجماعة /الأمة.
هذه الخلافة، كانت تتزامن مع تغيير مبادىء مفهوم الخلافة وتحولها إلى دولة؛ ذات أبعاد ومؤسسات رسمية؛ وذلك لكي تستقر الحكومة، وتسيطر على الأوضاع والمتغيّرات؛ ومنها: قيادة أرض الإسلام (دار الإسلام) التي أخذت منحى التوسع يوماً بعد يوم. إلى جانب ذلك، كانت الدولة بحاجة إلى أن تتولى مؤسسات شؤونها الاقتصادية، والسياسية، والقضائية، وشؤون الجيش، والأراضي، والأموال، وغيرها.
وكان مقتل الخليفة عمر بن الخطاب نقطة بداية في الخلافات بين القوى والتيارات المختلفة في المدينة ومكة، وفي الأمصار مثل الكوفة، ومصر وبلاد الشام. وكانت تتستّر تحت مظلات مختلفة، ومنها دينية ومذهبية، ولكن هذه الخلافات بين المؤسسة الرسمية والمجتمع الإسلامي أخذت في التشدد والازدياد بعد ان انتخب الخليفة الثالث عثمان بن عفان (الخلافة ما بين 23 -35 ق ) من قبل الشورى الذين انتخبهم عمر بن الخطاب، لكي يتفقوا على تعيين الخليفة الجديد. وبعد بروز خلافات في صفوف قسم من الصحابة وقيادات الكوفة ومصر، برزت اضطرابات أدت إلى مقتل عثمان، وبروز ما تسمى كلاسيكيا بالفتنة بين قطاعات مختلفة من المسلمين وبين الصحابة أنفسهم، وقد كانت خلافة الامام علي بن أبي طالب تواجه بفتن وحروب أهلية من قبل معاوية بن أبي سفيان (الحكومة ما بين 41 – 60 هـ) وآخرين، تحت عناوين سياسية، وسرعان ما تتحول الی إعطاء القضايا بعداً خلافياً دينياً ومذهبياً.
وبعد استشهاد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب (سنة 61 هـ) أخذ الشيعة (شيعة علي) بالتوسع، وبما أنهم عارضوا السلطة الأموية، اضطهدهم معاوية بن أبي سفيان وابنه والأمويون. وبعد مقتل الامام الحسين، حصلت مواجهات ضد الأمويين؛ من أهمها حركة التوابين (سنة 65 هـ). ومنها قيام المختار بن أبي عبيدة الثقفي (المتوفى سنة 67 ) وبروز جماعة شيعية كانت تسمى بالكيسانية لديها أفكار ورؤى دينية ومذهبية. ومن الثورات ضد الأمويين ثورة زيد بن علي، حفيد الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 122 بالكوفة. ولذلك كان مقتل عثمان سبباً رئيسياً في بروز هذه الفتن والخلافات التي أدت فيما بعد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري إلى خلافات مذهبية، وبروز فرق وتيارات مختلفة.

بداية الخلافات المذهبية
بعد مرور مائة وخمسين من عمر الإسلام، أدخلت تلك التحولات فيه أفكاراً ورؤى، وتفسيرات مختلفة حول "النص" المقدس / السلطة المقدسة، والذي كان من المتوقع أن يحل الاختلافات، وأن يفسر الدين ويهدي الناس إلى الجماعة / الوحدة. وطوال القرن الأول الهجري كانت هناك في المدينة أو سائر الأمصار حركة / حركات نحو تثبيت النص القرآني وتثبيت المقدس في الإسلام من قبل الدولة من جهة، ومن قبل تيارات مختلفة بين المسلمين وخاصة الصحابة منهم والجيل التالي بعد الصحابة؛ أي ما يسمى بالتابعين وأتباع التابعين من جهة أخرى. وهكذا ظهرت هناك فئة/ فئات مختلفة من العلماء بين الصحابة الذي كانوا يتولّون قراءة القرآن وتعليمه بين أطياف مختلفة من الناس، وجمع ورواية الأحاديث النبوية وإبداء النظر حول مختلف المسائل الدينية والمذهبية، ومنها خلافات أخذت في البروز والظهور بين صفوف المسلمين.
وهذه الفئات أخذت في الظهور طوال القرن الأول الهجري، كفئات متميزة ذات مواقع اجتماعية، وكان ظهورها تدريجياً. أما بالنسبة للخلافات المذهبية فقد بدأت في سياق سياسي، وفي جدلية مع الدولة، ومرتبطة مع الإشكاليات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية للمسلمين، والتحولات كانت تتماشى مع العلاقات بين المركز والأطراف وحول محاور الدولة/الجماعة. وعليه، فإن ظهور الجماعات الدينية والمذهبية في القرن الأول الهجري كان يتحرك في هذه الأرضية، وحول مبدأ الدولة خاصة. ومن أهم هذه الحركات حركة الخوارج التي كانت نتيجة الفتنة الأولى في التاريخ الإسلامي. وكانت لفئات المحكمة – الخوارج في القرنين الأول والثاني الهجريين تأثيرات كبيرة على سير الأفكار والرؤى المذهبية في الإسلام، وفي طرح الأسئلة والإشكاليات الفكرية والدينية. ومن أهم هذه الأفكار والمشكلات الجديدة مشكلة تحديد الإيمان وحدود الجماعة الدينية وإمكانية تعريف الإيمان، ومن هو المؤمن؟ هذه المسألة من نتائج الخلاف الحاصل بين المسلمين حول الفتنة الأولى والحرب الأهلية، والتي كانت سبباً رئيسياً في بروز إشكالية الموالاة والبراءات ذات الصبغة الدينية بين المسلمين، وتكفير الناس بعضهم بعضا أو اتهام بعضهم للبعض بالفسق كما حصل عند المحكمة وآخرين. وشكلّت ظاهرة الفتنة مجالاً واسعاً لطرح هذه الإشكاليات والأسئلة: كيف يمكن أن نفسّر حركة الأمة المقدسة والتي لها دور تاريخي مقدس هو أمانة الله وعلى أساس دعوة إلهية تحكم بالقرآن والنبي (ص)، نحو انقسام واختلاف وحروب داخلية، والفرقة بدلاً من الوحدة؟ وان تصير إلى استعلاء فئة دون اخرى؟ وأين موقع الإسلام والإيمان وأصل الدعوة من ذلك كله؟ ما هو موقع الدعوة بين الأمة والدولة وما هي سلطة الدولة؟ وما مصدرها ومداها؟ ومن أين تنطلق مرجعيتها وسلطتها؟ وهل تشمل الديني كما تشمل السياسي؟
وقد قدم المسلمون في القرنين الأول والثاني تفاسير مختلفة للحرب الداخلية، وأطراف النزاع في الفتنة الأولى، فذهب بعضهم إلى أن ذلك كان سبباً رئيسياً في انجرار الأمة إلى الفتن، والدعاوى السياسية المتطرفة، والاستعلاء من جانب الدولة؛ لذلك تبنوا تفسيراً خاصاً لموقع السيّاسي من الديني. وعلى هذه الأرضية اعتبر بعض آخر أن تحقق وعود الله في القرآن يستلزم خلوص الأمة من كل خطأ وذنب وكفر، لذا سعوا لخلوص الأمة، ونظّروا له. وقد نظر آخرون بنظرة سلبية إلى السياسي، وإلى الدولة ومؤسساتها، وكل من جرَّ الأمة إلى الفتن والحروب، واختلف معهم بعض آخر في هذا التفسير بطبيعة الحال؛ فالشيعة منهم مثلاً يتبرأون من أعداء حكومة الإمام علي؛ ويتولونه، ويتولون أهل بيت النبي (ص) وبعضهم لم يكن يتولى علياً، ويتبع عثمان وأصحابه؛ ولذلک سمّوا بالعثمانية. أما المرجئة مثلاً فذهبوا إلى الحياد بشكلٍ أو بآخر بالنسبة لنشوب الفتنة الأولى.

قضية الإيمان
هذه الأفكار وقضية الجماعة الخالصة المؤمنة / النموذج الصافي للإسلام كانت هاجساً وراء تشكيل الوعي المذهبي حول مسألة الإيمان وتحديدها وتعريفها، فأصبحت مدار بحث بين الفئات والجماعات المختلفة جغرافياً ومحلياً وطبقياً. ولهذا تنوعت التفاسير لحقيقة الإيمان؛ بحيث صارت لكل فرقة تفسيرها الخاص؛ فالخوارج لهم تفسيرهم، وكذا المرجئة، وغيرهم.
وفي هذا السياق نشأت أسئلة ترتبط بماهية الإيمان ومستلزماته؛ فهل يشكل العمل الصالح جزء من الإيمان أم لا؟ وما هي نسبة الإيمان مع الإسلام؟ وما هو مصدر الإيمان؟ هل هو تصديق بالقلب أو إقرار باللسان أو عمل بالأركان؟ وما هو الذي ينافي خلوص الإيمان؟
وإنطلاقاً من أهمية مسألة الإيمان وتعريفه، فقد برزت المرجئة كجماعة مذهبية وسياسية، وكان لهم آراء ووجهات نظر مختلفة حول المسائل/ الإشكاليات المختلفة والتي كانت مدار نقاش وبحث ديني؛ فالمرجئة هم من إفرازات الجو الديني والسياسي للقرنين الأول والثاني الهجريين، إذ كانوا يواجهون بشكل خاص أفكار واتجاهات الخوارج، ويعتقدون أن الإيمان، إقرار باللسان أو تصديق بالقلب من دون العمل (العمل بالأركان حسب المصطلح المشهور)، وأنه لا تأثير للعمل في تحديد إيمان الإنسان بالله وإيمان الجماعة / المجتمع أيضاً. وفي المقابل، نعرف أن هناك موضعاً مضاداً من قبل المحكمة – الخوارج في كفر من آمن وارتكب ذنباَ كبيراً من دون توبة. وهذه المناقشة كانت إحدى المجالات للدخول في التفاصيل الكلامية في مجال تحديد الإيمان والمباحث الكلامية حوله.

مشكلة القدر
إذا نظرنا إلى الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وما آلت إليه حالهم من الفرقة، ولاحظنا تفسير المسلمين الأوائل لتلك الفتنة، نجد أن بحثاً وجدلاً قد دار حول المسؤولية عن تلك الفتنة وما صارت إليه الأمور؛ فهل كانت الفتنة حقيقة مقدرة من الله؛ بحيث لا بدّ أن تحدث؟ أو على العكس، ينبغي على المسؤولين عن تلك الأحداث، وأحداث أخرى بعدها من أن يتحملوا المسؤولية الكاملة؟ تدعي المصادر، دوران النقاش حول القدر ومسؤولية الإنسان تجاه أعماله وذلك في أواخر القرن الأول الهجري. وفي السياق العام الديني، فإن مسألة سعة فاعلية الله وقدرته الواسعة كانت مسألة محسومة، ولكن في الإطار نفسه هناك إشكالية مسؤولية الإنسان في قبال عمله وتجاه الله، ولذلك حصل نقاش حول اختيار وحرية الإنسان. وفي الإسلام المبكر هناك فئة أخذت تدافع عن حرية الإنسان، طرحت لديهم أولاًَ إشكالية مدى مسؤولية الإنسان، أي إنسان مهما كان تجاه اعماله؛ لكنها ما لبثت حتى واجهت الرؤية العامة للمسألة، والتي كانت تقتضي البحث عن القضاء والقدر الإلهيين، ومشكلة الاختيار، وقد حاولت تلك الفئة الإجابة عن هذه الأسئلة الواردة من خصومهم وهي: كيف يمكن أن نضع أعمال الإنسان تحت مسؤوليته الكاملة؟ وهل يمكن أن نتكلم عن وجود الحرية والاختيار للإنسان وفي ساحة عمله تجاه الله وإرادته؟ ألا يوقع في تضاد مع قدرة الله الواسعة وإرادته التي تحيط كل شيء، وهو خالق كل شيء؟

القدرية
تذكر المصادر أنه في أواخر القرن الأول الهجري، برز تيار/تيارات في العراق والشام، هذا التيار كان يعرف "بالقدرية"؛ وهؤلاء يؤيدون الفكرة الموسومة بالقدر، لكنهم يرفضون القدر؛ وبناءً لذلك؛ فتسميتهم بالقدرية، من باب تسمية الشيء بخلافه. وقد اعتقدوا بمسؤولية الإنسان تجاه أعماله، وكذلك، حريته في تصرفاته، الصالحة والشريرة. ومن هؤلاء : معبد الجهني (المتوفى سنة 80 هـ)، والجعد بن درهم (المتوفى حوالي سنة 118 هـ)، وغيلان الدمشقي (المتوفى بعد سنة 105 هـ).
إضافة لذلك، فإن للقدرية دوراً في البصرة، لكنهم كانوا يرفضون من قبل الدولة، وقطاعات واسعة من الصحابة والتابعين، وأتباع التابعين، الذين اختصوا بعلوم القرآن، وأقوال النبي محمد (ص).
وقد صدرت ردود فعل قوية ضد القدرية، من قبل سلطات الخلافة الأموية، ومن قبل جماعات من التابعين، وذوي الصلاحيات الدينية المدعومة أحياناً من الأمويين. وفي المقابل تظهر المصادر أن الأمويين كانوا يعتقدون بفكرة الجبر/ القدر المحتوم في إطار التفسير العام للخلافة (خلافة الله) ووعود الله للجماعة المؤمنة، بأنهم يرثون الأرض، ويسيطرون عليها. إذاً القدرية كانوا من المعارضين لسلطة الأمويين، وهنا من الضروري- وحسب المصادر-، أن نتكلم عن فئات مختلفة من القدرية، ومن أمصار مختلفة، وفي سياق الحديث عنهم يمكن أن نفرق بين آرائهم، أو على الأقل بين انتماءاتهم السياسية تجاه الأمويين. وعلى كل حال، فإن قبول مسؤولية الإنسان في تصرفاته ومنها تصرفاته السياسية وحريته في تقرير مصيره، ومنها دوره في المجتمع وبين آحاد الأمة، تعني ضمن ما تعنيه مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين ومسؤوليته كأحد من المؤمنين في الجماعة – الأمة المؤمنة في أن يسعى في تحقيق وعود الله للإنسان، وللأمة المسلمة وفقاً للمبدأ القرآني: "الاستخلاف"، من هنا وانطلاقاً من الرؤية الإسلامية، فعلى المؤمنين أن يكونوا مسؤولين عن مسير ومسار الأمة، وهذه المسؤولية مسؤولية مشتركة على عاتق الجميع سواءً؛ ومن بينهم الخليفة نفسه، الذي لا بد أن يكون مسؤولاً عن أعماله وتصرفاته تجاه الله والمجتمع / الأمة أيضاً دون فرق؛ ولا مجال لادعاء القضاء والقدر الحتميين الذي لا مفر منه بالنسبة لسلطة الخلافة، وعلى الجميع قبوله، وأن كل هذا كان في قضاء الله وقدره.
إذاً، فكل ما قيل في القدر في القرن الأول وأوائل القرن الثاني الهجريين، كان يدور حول المسؤولية، وفي إطار الصورة التاريخية عند المسلمين، وبالنسبة إلى تاريخهم المقدس، ودورهم في التاريخ وبين الأمم، وكآخر الأمم التي من المقدر أن ترث الأرض وتستخلف الآخرين، فقد كان الأمويون يعتبرون سلطتهم كخلافة، سلطة إلهية ومستندة ومستمدة من الله ومن قضائه التي لا تبدّل، ولا بد للمؤمنين من قبولها. ويرون هذه الخلافة في إطار مصير الأمة المقدسة، وأنها مقررة من قبل الله كآخر الأمم، وضمن إطار "الاستخلاف الإلهي" الذي لا يمكن لأحد بطبيعة الحال أن يعارضه. وكان يدور حديث منسوب إلى النبي (ص) في القرن الثاني الهجري يقول: "القدرية مجوس هذه الأمة"؛ وهكذا تشكل نقاش حاد حول من هم هذه القدرية؟ بين من ينسب المؤيدين للاختيار الحر إلى القدرية، وبين من ينسب الجبرية إليهم.
ويمكن القول بأن في هذا العصر المبكر من تاريخ الإسلام لم يكن هناك وعي عند المسلمين بفلسفة الفعل الإنساني، وتحليل قدراته بصورة فلسفية وكلامية، إذ من المحتمل وجود نوع من التأثير للأبحاث الكلامية عند المسيحيين العرب والسريان في هذا الخصوص على المسلمين في هذا الوقت المبكر في الشام وفي العراق. وعلى كل حال، يجدر أن نعرف أنه كان يجري نقاش بين أصحاب الإلهيات وأصحاب الآراء من المسيحيين واليهود وحتى الزرداشتيين حول هذه المفاهيم قبيل الإسلام، وفي الفترة نفسها، ولكن لا نعرف بالضبط هل تحقق التأثير منهم فعلاً على أصحاب هذا النقاش بين المسلمين الأوائل أم لا؟ إلا أنه ما يمكن قوله أن هذه المسألة هي باكورة المباحث ذات الطابع الكلامي بين المسلمين في القرن الثاني الهجري على الأقل....
شنبه ۲۳ شهريور ۱۳۸۷ ساعت ۱:۲۸
نظرات



نمایش ایمیل به مخاطبین





نمایش نظر در سایت