آرشیو
آمار بازدید
بازدیدکنندگان تا کنون : ۲٫۰۴۳٫۴۵۵ نفر
بازدیدکنندگان امروز : ۲۶ نفر
تعداد یادداشت ها : ۲٫۰۸۵
بازدید از این یادداشت : ۱٫۸۵۳

پر بازدیدترین یادداشت ها :
<p />


در ميان آثاری که منابعی همانند نجاشی در رجال از ابوالمفضل شيباني، محدث برجسته امامی مذهب و با گرايشاتی ويژه نام برده اند، کتابی به عنوان المباهلة ديده نمی شود، با اين وصف ابن طاووس در الاقبال از وجود چنين کتابی خبر می دهد. البته عبارت او از صراحت لازم برخوردار نيست. ابن طاووس متن کامل اين کتاب را در الاقبال ارائه می دهد؛ اما در اين نقل سندی در آغاز کتاب ديده نمی شود. ابن طاووس در عبارتی کم و بيش مبهم اضافه می کند که اين نقل بر اساس اصل کتاب ابن اشناس[1] است و منظور از "اصل" اين بوده که نسخه کتابش به خط ابن اشناس نزد ابن طاووس موجود بوده، يعنی کتاب عمل ذي الحجة. از آنجا که ابن اشناس، شاگرد و راوی از ابوالمفضل شيباني بوده، بنابراين بايد چنين فرض کرد که ابن اشناس در کتاب عمل ذي الحجة خود از کتاب المباهلة ابوالمفضل نقل کرده بوده و بدين ترتيب ابن طاووس خود به کتاب المباهلة به طور مستقيم دسترسی نداشته است؛ بلکه از آن به واسطه کتاب شاگرد ابوالمفضل استفاده کرده بوده است. اينکه آيا در عبارات ابن اشناس در کتابش چيزی دال بر اينکه کتاب المباهلة تأليف ابوالمفضل بوده، وجود داشته، اطلاعی نداريم؛ اما به هر حال به سبک محدثان کهن، صرف روايت يک متن، اگر راوی مسئوليت رواج آن متن را داشته بوده، می توانسته کتاب او قلمداد شود. اما اين احتمال قوی است که در متن اصل ابوالمفضل که در اختيار شاگردش بوده، منبع نقل متن و اينکه روايت طولانی مربوط به قصه مباهله چگونه به ابوالمفضل رسيده بوده، ارائه شده بوده است. آيا کتاب المباهلة ابوالمفضل مطالب ديگری داشته و يا اينکه ابن اشناس خود در متن روايت شده، دست برده، از عبارت ابن طاووس چيزی روشن نيست. اما عجيب است که با وجود اينکه ابن اشناس محدثی است که برای نسل نجاشی و شيخ طوسی آشنا بوده و شيخ طوسی در الأمالی به واسطه او از روايات ابوالمفضل شيباني استفاده می کند، اما با اين وصف از وجود چنين متنی منسوب به ابوالمفضل در کتابهای اين طبقه خبری نيست. البته اين را نبايد از خاطر دور کرد که محدثان و رجاليانی مانند نجاشی سخت به روايات ابوالمفضل بد بين بوده اند و او را مخلط فرض می کرده اند. شايد به همين دليل چندان علاقمند به نام بردن از متن کتاب المباهلة نبوده اند. بايد از ابن طاووس ممنون بود که اين متن مهم را برای ما بر جای گذاشته است؛ خاصه که کتاب عمل ذي الحجة ابن اشناس از ميان رفته است. آقای احمد پاکتچی در ذيل مدخل ابوالمفضل شيباني در دائرة المعارف بزرگ اسلامی، به اشتباه تصور کرده اند که ابن طاووس ميان دو متن ابوالمفضل و ابن اشناس آميخته است، در حالی که از عبارت ابن طاووس چنين چيزی مستفاد نيست. آقای کلبرگ در "کتابخانه ابن طاووس" به درستی اين مطلب را که ابن اشناس تنها منبعی واسطه بوده را متذکر می شود.

اما نکته مهم اين است که مضامين اين روايت طولانی درباره واقعه مباهله که با روايات مستندتر اين موضوع متفاوت است و در آن عقايدی غلو آميز در قالب يک داستان بيان شده، و در آن علائم آشکاری برای ارائه مجموعه ای از تفکرات غاليانه در قالب داستان مباهلة ديده می شود، نمی تواند به تنهايی اثر جعل ابوالمفضل شيباني باشد که البته خود به جعل و دستکاری در متون حديثی متهم بوده است. اما از مجموعه عقايدی که از او می شناسيم، جعل و تدوين چنين اثری از وی بعيد است. به نظر می رسد او که در روزگار جوانی با دانشمند معروف شيعی با انديشه های شناخته شده غاليانه، ابو جعفر محمد بن علي الشلمغاني معروف به ابن ابی العزاقر ديدار داشته (در مخفيگاه او در معلثايا در نواحی موصل)، متن کتاب او را با عنوان المباهلة که از وجود آن اطلاع داريم، به صورت يک متن روايت می کرده است. شايد خود او، به دليل بدنامی شلمغاني، نامی از ابن ابی العزاقر در آغاز متن کتاب نمی برده، يا اينکه ابن اشناس در عمل ذي الحجة در هنگام نقل اين نام را به همان دليل انداخته و دست آخر محتمل ترين احتمال اين است که ابن طاووس باز به همان دليل، نام ابن ابی العزاقر را از قلم انداخته است. عبارت ابن طاووس در آغاز روايت می تواند ناظر به چنين احتمالی باشد. به هر حال به دليل اينکه نجاشی در رجال ذيل شرح حال شلمغاني ( ص 378-379/ 1029) از کتاب المباهلة نام برده و منبع او سند ابو المفضل به آثار شلمغاني است، بنابراين می توان احتمال داد که ابوالمفضل در آغاز متن خود از شلمغاني به عنوان مؤلف اثر نام برده بوده است. اساسا علت اينکه نجاشی در رجال در ذيل نام ابوالمفضل شيباني از کتاب المباهلة نام نمی برد هم همين است که آنرا کتابی از شلمغاني می دانسته و طبعا از آن در ذيل نام شلمغاني نام برده بوده است.

اول بار لويی ماسينيون در مقاله خود درباره مباهله که به عربی هم سالها پيش ترجمه شده، احتمال اينکه روايت ابن طاووس برگرفته از شلمغاني باشد، را مطرح کرده و کلبرگ نيز نظر او را تأييد می کند. اين متن سند بسيار ارزشمندی است برای شناخت انديشه های غاليانه شلمغاني و ساير گروههای غلات در عصر غيبت صغرا.

متن کتاب چنين است:

[روينا ذلك بالاسانيد الصحيحة والروايات الصريحة الى أبى المفضل محمد بن المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب المباهلة ، ومن أصل كتاب الحسن بن اسماعيل بن اشناس من كتاب عمل ذى الحجة ، فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوى الهمم الصالحة ، لا حاجة الى ذكر اسمائهم ، لأن المقصود ذكر كلامهم ، قالوا : ]

لما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة ، وانقادت له العرب ، وارسل رسله ودعائه الى الامم ، وكاتب الملكين ، كسرى وقيصر ، يدعوهما الى الاسلام ، والا أقرا بالجزية والصغار ، والا أذنا بالحرب العوان ، أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم من بنى عبدالمدان وجميع بنى الحارث بن كعب ، ومن ضوى إليهم ، ونزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الا روسية والسالوسية واصحاب دين الملك والمارونية والعباد والنسطورية ، واملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا ، فانهم كذلك من شأنهم . إذا وردت عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه ، وهم عتبة بن غزوان وعبد الله بن أبى امية والهدير بن عبد الله اخو تيم بن مرة وصهيب بن سنان اخو النمر بن قاسط ، يدعوهم الى الاسلام ، فان اجابوا فاخوان ، وان ابوا واستكبروا فالى الخطة المخزنية الى اداء الجزية عن يد ، فان رغبوا عما دعاهم إليه من احد المنزلين وعندوا فقد آذانهم على سواء ، وكان في كتابه صلى الله عليه وآله : ( قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله ، فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون ). قالوا : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل قوما حتى يدعوهم ، فازداد القوم لورود رسل نبى الله صلى الله عليه وآله وكتابه نفورا وامتزاجا ، ففزعوا لذلك الى بيعتهم العظمى وامروا ، ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج ، ورفعوا الصليب الأعظم ، وكان من ذهب مرصع ، انفذه إليهم قيصر الأكبر ، وحضر ذلك بنى الحارث بن كعب ، وكانوا ليوث الحرب فرسان الناس ، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم ايامهم في الجاهلية . فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في امورهم ، واسرعت إليهم القبائل من مذحج ، وعك وحمير وانمار ، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبا ، وكلهم قد ورم انفه غضبا
لقومهم ، ونكص من تكلم منهم بالاسلام ارتدادا . فخاضوا وافاضوا في ذكر المسير بنفسهم وجمعهم الى رسول الله صلى الله عليه وآله والنزول به بيثرب لمناجزته ، فلما رأى أبو حامد حصين بن علقمة - اسقفهم الأول وصاحب مدارسهم وعلامهم ، وكان رجلا من بنى بكربن وائل - ما ازمع القوم عليه من اطلاق الحرب ، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه ، وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة . ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصى وكانت فيه بقية وله رأى وروية وكان موحدا يؤمن بالمسيح وبالبنى عليهما السلام ويكتم ذلك من كفرة قومه واصحابه . فقال : مهلا بنى عبدالمدان مهلا ، استديموا العافية والسعادة ، فانهما مطويان في الهوادة ، دبوا الى قوم في هذا الأمر دبيب الزور ، واياكم والسورة العجلى ، فان البديهة بها لا يبجب ، انكم والله على فعل ما لم تفعلوا اقدر منكم على رد ما فعلتم ، الا ان النجاة مقرونة بالاناة ، الارب احجام افضل من اقدام ، وكائن من قول ابلغ من وصوله . ثم امسك ، فأقبل عليه كرزبن سبرة الحارثى ، وكان يومئذ زعيم بنى الحارث بن كعب ، وفى بيت شرفهم ، والمعصب فيهم وأمير حروبهم ، فقال : لقد انتفخ سحرك واستطير قلبك ابا حارثة ، فضلت كالمسبوع النزاعة الهلوع ، تضرب لنا الأمثال وتخوفنا النزال ، لقد علمت وحق المنان بفضيلة الحفاظ بالنوء باللعب ، وهو عظيم ، وتلقح الحرب وهى عقيم تثقف اورد الملك الجبار ولنحن اركان الرايس وذى المنار الذين شددنا ملكهما وامرنا مليكهما ، فأى ايامنا ينكرام لايهما ويك تلمز ، فما اتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وغضبا وهو لايشعر . فلما امسك كرزبن سبرة أقبل عليه العاقب ، واسمه عبدالمسيح بن شرحبيل ، وهو يومئذ عميد القوم وامير رأيهم وصاحب مشورتهم ، الذى لا يصدرون جميعا الا عن قوله ، فقال له : افلح وجهك وانس ربعك وعز جارك وامتنع ذمارك ، ذكرت وحق مغبرة الجباه حسبا صميما ، وعيصا كريما وعزا قديما ، ولكن ابا سبرة لكل مقام مقال ، ولكل عصر رجال ، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه ، وهى الأيام تهلك جبلا ، وتديل قبيلا ، والعافية أفضل جلباب ، وللافات اسباب ، فمن أوكد اسبابها لتعرض لأبوابها ، ثم صمت العاقب مطرقا . فأقبل عليه السيد واسمه اهتم بن النعمان ، وهو يومئذ اسقف نجران ، وكان نظير العاقب في علو المنزلة ، وهو رجل من عاملة وعداده في لخم ، فقال له سعد : جدك وسما جدك ابا وائلة ، ان لكل لامعة ضياء ، وعلى كل صواب نورا ، ولكن لا يدركه وحق واهب العقل الا من كان بصيرا ،انك افضيت وهذان فيما تصرف بكما الكلم الى سبيلى حزن وسهل ، ولكل على تفاوتكم حظ من الرأى الربيق والأمر الوثيق إذا اصيب به مواضعه ، ثم ان اخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم ، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا ، أبخوع واقرار ام نزوع . قال عتبة والهدير والنفر من اهل نجران ، فعاد كرزبن سبرة لكلامه وكان كميا ابيا ، فقال : أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك الناس ثم العرب ذلك منا ، أنتهالك الى ذلك أم نقرب الجزية وهى الخزية حقا ، لا والله حتى نجرد البواتر من أغمادها ، ونذهل الحلائل عن أولادها ،أو تشرق نحن محمد بدمائنا ، ثم يديل الله عز وجل بنصره من يشاء . قال له السيد : اربع على نفسك وعلينا أباسبرة ، فان سل السيف يسل السيف ، وان محمدا قد بخعت له العرب ، وأعطته طاعتها وملك رجالها واعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر منهم والمدر ، ورمقه الملكان العظيمان كسرى وقيصر ، فلا أراكم والروح لو نهد لكم ، الا وقد تصدع عنكم من خف معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم. وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقى من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانية ، وكان مثواه بنجران ، فقال له اباسعاد: قل في أمرنا وانجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده . فقال : فانى أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم ، ولينطلق وفودكم الى ملوك اهل ملتكم الى الملك الأكبر بالروم قيصر ، والى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة ، يعنى ملوك السودان ، ملك النوبة وملك الحبشة وملك علوه وملك الرعا وملك الراحات ومريس والقبط ، وكل هؤلاء كانوا نصارى . قال : وكذلك من ضوى الى الشام وحل بها من ملوك غسان ولخم وجذام وقضاعة ، وغيرهم ، من ذوى يمنكم فهم لكم عشيرة وموالى واعوان وفى الدين اخوان ، يعنى انهم نصارى ، وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم ، فقد صبت الى دينهم قبائل تغلب بنت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار ، لتسير وفودكم . ثم لتخرق إليهم البلاد اغذاذا ، فيستصرخونهم لدينكم فيستنجدكم الروم وتسير اليكم الاساودة مسير اصحاب الفيل ، وتقبل اليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن . فإذا وصلت الامداد واردة ، سرتم انتم في قبائلكم وسائر من ظاهركم وبذل نصره وموازرته لكم ، حتى تضاهئون من انجدكم واصرخكم ، من الاجناس ، والقبائل الواردة عليكم ، فاموا محمدا حتى تنجوا به جميعا ، فسيعتق اليكم وافدا لكم من صبا إليه ، مغلوبا مقهورا ، وينعتق به من كان منهم في مدرته مكثورا ، فيوشك ان تصطلموا حوزته وتطفؤوا جمرته . ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس ، فلا تتمالك العرب حيئنذ حتى تتهافت دخولا في دينكم ، ثم لتعظمن بيعتكم هذه ، ولتشرفن ، حتى تصير كالكعبة المحجوجة بتهامة ، هذا الرأى فانتهزوه ، فلا رأى لكم بعده . فاعجب القوم كلام جهيربن سراقة ، ووقع منهم كل موقع ، فكاد أن يتفرقوا على العمل به ، وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بنى قيس بن ثعلبة ، يدعى حارثة بن اثال على دين المسيح عليه السلام ، فقام حارثة على قدميه واقبل على جهير ، وقال متمثلا :

متى ماتقد بالباطل الحق بابه * وان قلت بالحق الرواسى ينقد
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه * ضللت وان تقصد الى الباب تهتد

ثم استقبل السيد والعاقب والقسيسين والرهبان وكافة نصارى نجران بوجهه لم تخلط معهم غيرهم ، فقال : سمعا سمعا يا ابناء الحكمة وبقايا حملة الحجة ، ان السعيد والله من نفعته الموعظة ولم يعش عن التذكرة ، ألا وانى أنذركم واذكركم قول مسيح الله عز وجل - ثم شرح وصيته ونصه على وصيه شمعون بن يوحنا وما يحدث على امته من الافتراق . ثم ذكر عيسى عليه السلام وقال : ان الله جل جلاله أوحى إليه : فخذ يابن امتى كتابي بقوة ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم ، واخبرهم انى انا الله لا اله الا انا ، الحى القيوم البديع الدائم الذى لا أحول ولا أزول ، انى بعثت رسلي ونزلت كتبي رحمة ونورا عصمة لخلقي ، ثم انى باعث بذلك نجيب رسالتي ، احمد صفوتي من بريتى البار قليطا عبدى ارسله في خلو من الزمان ، ابعثه بمولده فاران من مقام أبيه ابراهيم عليه السلام ، انزل عليه توراة حديثة ، افتح بها أعينا عميا ، واذنا صما ، وقلوبا غلفا ، طوبى لمن شهد ايامه وسمع كلامه ، فامن به واتبع النور الذى جاء به ، فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصل عليه فانى وملائكتي نصلى عليه . قال : فما أتى حارثة بن اثال على قوله هذا حتى اظلم بالسيد والعاقب مكانهما ، وكرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما اخبر وقدم من ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنهما كانا قد أصابا بمواضعهما من دينهما شرفا بنجران ووجها عند ملوك النصرانية جميعا ، وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد ، فاشفقا ان يكون ذلك سببا لا نصراف قومها عن طاعتهما لدينهما وفسخا لمنزلتهما في الناس . فأقبل العاقب على حارث فقال : امسك عليك ياحار ، فان راد هذا الكلام عليك اكثر من قابله ، ورب قول يكون بلية على قائله ، وللقلوب نفرات عند الاصداع بمظنون الحكمة ، فاتق نفورها ، فلكل نبأ اهل ، ولكل خطب محل ، وانما الدرك ما اخذ لك بمواضى النجاة ، وألبسك جنة السلامة ، فلا تعدلن بهما حظا ، فانى لم آلك لا أبا لك نصحا ثم ارم. فأونحب السيد ان يشرك العاقب في كلامه ، فأقبل على حارثة فقال : انى لم أزل أتعرف لك فضلا تميل اليك الالباب ، فاياك ان تقعد مطية اللجاج ، وان توجف الى السراب ، فمن عذر بذلك فلست فيه ايها المرء بمعذور ، وقد اغفلك أبو واثلة ، وهو ولى أمرنا وسيد حضرنا عتابا فأوله اعتبارا . ثم تعلم ان ناجم قريش يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله يكون رزؤه قليلا ، ثم ينقطع ويخلو ، ان بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبي المبعوث بالحكمة والبيان والسيف والسلطان ، يملك ملكا مؤجلا ، تطبق فيه امته المشارق والمغارب ، ومن ذريته الأمير الظاهر يظهر على جميع الملكات والأديان ، ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار ، وذلك ياحار أمل من ورائه أمد ومن دونه أجل ، فتمسك من دينك بما تعلم وتمنع لله أبوك من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان ، فانما نحن ليومن ولغد أهله. فأجابه حارثة بن اثال فقال : ايها عليك ابا قرة ، فانه لا حظ في يومه لمن لادرك له في غده ، واتق الله تجد الله جل وتعالى بحيث لا مفزع الا إليه ، وعرضت مشيدا بذكر أبى واثلة ، فهو العزيز المطاع الرحب الباع ، واليكما معا ملقى الرحال ، فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبزين فضل لكنتماه ، لكنها ابكارا لكلام تهدى لأربابها ، ونصيحة كنتما أحق من أصغى بها ، انكما مليكا ثمرات قلوبنا ، ووليا طاعتنا في ديننا . فالكيس الكيس يا أيها المعظمان عليكما به ، أريا مقاما يذهكما نواحيه واهجر سنته التسويف فيما انتما بعرضة ، آثر الله فيما كان يؤثركما بالمزيد من فضله ، ولا تخلدا فيما اظلكما الى الونيه ، فانه من اطال عنان الأمر اهلكته الغرة ، ومن اقتعد مطية الحذر كان سبيل أمن من المتألف ، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لابه ، ومن نصح لله عز وجل انسه الله جل وتعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب . ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال : وزعمت أبا واثلة ان راد ما قلت اكثر من قائله ، وانت لعمرو الله حرى الا يؤثر هذا عنك ، فقد علمت وعلمنا امة الانجيل معا بسيرة ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه ، ومن آمن له من قومه ، وهذه منك فقة لا يدحضها الا التوبة والاقرار بما سبق به الانكار . فلما أتى على هذا الكلام صرف الى السيد وجهه فقال : لا سيف الا ذو نبوة ولا عليم الا ذو هفوة ، فمن نزع عن وهلة واقلع فهو السعيد الرشيد ، وانما الافة في الاصرار ، واعرضت بذكر نبيين يخلقان زعمت بعد ابن البتول ، فأين يذهب بك عما خلد في الصحف من ذكرى ذلك ، ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في نبى اسرائيل ، وقوله لهم : كيف بكم إذا ذهب بى الى أبى وأبيكم وخلف بعد أعصار يخلو من بعدى وبعدكم صادق وكاذب ؟ قالوا : ومن هما يا مسيح الله ؟ ، قال : نبى من ذرية اسماعيل عليهما السلام صادق ومتنبى ممن بنى اسرائيل كاذب ، فالصادق منبعث منهما برحمة وملحمة ، يكون له الملك والسلطان مادامت الدنيا ، واما الكاذب ، فله نبذ يذكر به المسيح الدجال ، يملك فواقا ثم يقتله الله بيدى إذا رجع بى قال حارثة : واحذركم يا قوم ان يكون من قبلكم من اليهود اسوة لكم ، انهم انذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال واقبلوا على انتظاره ، واضربوا في الفتنة وركبوا نتجها ، ومن قبل نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عز وجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكتهم منهم ببغيهم ، والزمهم الذلة والصغار ، وجعل منقلبهم الى النار . قال العاقب : فما أشعرك ياحار ان يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن يثرب ، ولعله ابن عمك صاحب اليمامة ، فانه يذكر من النبوة ما يذكر منها اخو قريش ، وكلاهما من ذرية اسماعيل ولجميعهما اتباع واصحاب ، يشهدون بنبوته ويقرون له برسالته ، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها ؟ قال حارثة : أجل والله أجدها ، والله أكبر وأبعد مما بين السحاب والتراب ، وهى الاسباب التى بها وبمثلها تثبيت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وانبيائه ، واما صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما اخبركم به سفرائكم وغيركم والمنتجعة منكم ارضه ومن قدم من أهل اليمامة عليكم ، ألم يخبركم جميعا عن رواد مسيلمة وسماعيه ، ومن أوفده صاحبهم الى احمد بيثرب وبئارنا ثماد ومياهنا ملحة ، وكنا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب ، فبصق في بعضها ومج في بعض ، فعادت عذابا محلولية وجاش منها ماكان ماؤها ثمادا فحار بحرا . قالوا : وتفل محمد في عيون رجال ذوى رمد وعلى كلوم رجال ذوى جراح ، فبرأت لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحاتهم فما ألموها في كثير مما ادوا ، ونبؤوا عن محمد صلى الله عليه وآله من دلالة وآية ، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك ، فأنعم لهم كارها وأقبل بهم الى بعض بئارهم فمج فيها وكانت الركى معذوبة ، فصارت ملحا لا يستطاع شرابه ، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا فعادت فلم تبض بقطرة من ماء ، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت ، وعلى جراح - أو قالوا : جراح آخر - فاكتسى جلده برصا . فقالوا لمسيلمة فيما ابصروا في ذلك منه واستبرؤوه ، فقال : ويحكم بئس الامة انتم لنبيكم والعشيرة لابن عمكم ، انكم كلفتموني يا هؤلاء من قبل ان يوحى الى في شئ مما سألتم ، والان فقد اذن لى في اجسادكم واشعاركم دون بئاركم ومياهكم ، هذا لمن كان منكم بى مؤمنا ، واما من كان مرتابا فانه لا يزيده تفلتي عليه الا بلاء ،فمن شاء الان منكم فليأت لا تفل في عينه وعلى جلده ، قالوا : ما فينا وابيك احد يشاء ذلك ، انا نخاف ان يشمت بك اهل يثرب اضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم . فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما ، وقالا : ما النور والظلام ، والحق والباطل بأشد تباينا وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا وكذبا . قالوا : وكان العاقب احب مع ما تبين من ذلك ان يشيد ما فرط من تفريط مسيلمة ويؤهل منزلته ، ليجعله لرسول الله صلى الله عليه وآله كفا ، استظهارا بذلك في بقاء عزته وما طار له من السمو في أهل ملته ، فقال : ولان فخر اخو بنى حنيفة في زعمه ان الله عز وجل أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق فلقد بر في ان نقل قومه من عبادة الأوثان الى الايمان بالرحمان . قال حارثه : انشدك بالله الذى دحاها واشرق باسمه قمراها ، هل تجد فيما انزل الله عز وجل في الكتب السالفة ، يقول الله عز وجل : انا الله لا اله الا أنا ، ديان يوم الدين أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريتى وأرضى كالنجوم الدرارى في سمائي ، يهدون بوحيى وامري ، من أطاعهم أطاعنى ومن عصاهم فقد عصاني ، وانى لعنت وملائكتي في سمائي وارضى واللاعنون من خلقي من جحد ربوبيتي أو عدل بى شيئا من بريتى ، أو كذب بأحد من أنبيائي ورسلي - أو قال : أوحى الى ولم يوح إليه شئ - أو غمص سلطاني أو تقمصه متبريا ، أو أكمله عبادي وأضلهم عنى ، الا وانما يعبدني من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي من خلقي ، فمن لم يقصد الى من السبيل التى نهجتها برسلى لم يزدد في عبادته منى الا بعدا . قال العاقب : رويدك فاشهد لقد نبأت حقا ، قال حارثة : فما دون الحق من مقنع وما بعده لامرى مفزع ، ولذلك قلت الذى قلت ، فاعترضه السيد وكان ذا محال وجدال شديد ، فقال : ما احرى وما أرى أخا قريش مرسلا الا الى قومه بنى اسماعيل دينه ، وهو مع ذلك يزعم ان الله عز وجل ارسله الى الناس جميعا . قال حارثة : أفتعلم أنت يا ابا قرة ان محمدا مرسل من ربه الى قومه خاصة ؟ قال : أجل ، قال : أتشهد له بذلك ؟ قال : ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد ، نعم اشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف الدراسة والأنباء الخالية . فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبابته ، قال السيد : ما يضحك يابن اثال ؟ قال : عجبت فضحكت ، قال : أو عجب ما تسمع ؟ قال : نعم العجب أجمع ، أليس بالاله بعجيب من رجل أوتى اثرة من علم وحكمة ، يزعم ان الله عز وجل اصطفى لنبوته واختص برسالته وأيد بروحه وحكمته رجلا خراصا يكذب عليه ويقول : أوحى الى ولم يوح إليه ، فيخلط كالكاهن كذبا بصدق وباطلا بحق . فارتدع السيد وعلم انه قد وهل فأمسك محجوبا قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثا ، فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط الى السيد من قوله ، فقال له : عليك اخا بنى قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستحم لنا من مثابة سفهك ، فرب كلمة ( يرفع صاحبها بها رأسا ، قد القته في قعر مظلمة ، ورب كلمة لامت ورأبت قلوبا نغلة ، فدع عنك ما يسبق الى القلوب انكاره ، وان كان عندك ما يبين اعتذاره . ثم اعلم ان لكل شئ صورة ، وصورة الانسان العقل ، وصورة العقل الأدب ، والأدب ادبان : طباعي ومرتاضى ، فأفضلها ادب الله جل جلاله ، ومن ادب الله سبحانه وحكمته أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه ، لأنه الحبل بين الله وبين عباده ، والسلطان اثنان : سلطان ملكة وقهر ، وسلطان حكمة وشرع ، فاعلاهما فوقا سلطان الحكمة قد ترى يا هذا ان الله عز وجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما وقواما على ملوك ملتنا من بعدهم من حشوتهم واطرافهم ، فاعرف لذى الحق حقه ، ايها المرء وخلاك ذم ثم قال : وذكرت اخا قريش وما جاء به من الايات والنذر ، فأطلت وأعرضت ولقد برزت ، فنحن بمحمد وبه جدا موقنون ، شهدت لقد انتظمت له الايات والبينات ، سالفها وآنفها ، الا انه هي اشفاها واشرفها ، وانما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للجسد ، فما حال جسد لا رأس له ، فأمهل رويدا ، نتجسس الاخبار ونعتبر الاثار ولنستشف ما الفينا مما افضى الينا ، فان انسنا الاية الجامعة لديه ، فنحن إليه أسرع وله اطوع ، والا فاعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذى لا تفاوت في أمره ولا تغاير في حكمه . قال له حارثة: قد ناديت فاسمعت ، وفزعت فصدعت ، وسمعت واطعت ، فما هذه الاية التى اوحش بعد الانسة فقدها ، واعقب الشك بعد البينة عدمها ، وقال له العاقب : قد اثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب وجاورتها فاطلت في غير ما طائل وحاورتنا ، قال حارثة ، الى ذلك فجلها الان لى فداك ألى وامى . قال العاقب : افلح من سلم للحق وصدع به ولم يرغب عنه وقد احاط به علما ، فقد علمنا وعلمت من ابناء الكتب المستودعة علم القرون وما كان وما يكون ، فانها استهلت بلسان كل امة منهم معربة مبشرة ومنذرة بأحمد النبي ، العاقب الذى تطبق امته المشارق والمغارب يملك وشيعته من بعده ملكا مؤجلا يستأثر مقتبلهم ملكا على الاحم منهم بذلك النبي وتباعة وسيما ، ويوسع من بعدهم امتهم عدوانا وهضما ، فيملكون بذلك سبتا طويلا حتى لا يبقى تجزيرة العرب بيت الا وهو راغب إليهم أو راهب لهم . ثم بدال بعد لأى منهم ويشعث سلطانهم حدا حدا وبيتا فبيتا ، حتى تجيى امثال النعف من الاقوام فيهم ، ثم يملك أمرهم عليهم عبداؤهم وقنهم ، يملكون جيلا فجيلا ، يسيرون في الناس بالقعسرية خبطا خبطا ، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا ، فتنقص الأرض حينئذ من اطرافها ويشتد البلاء وتشتمل الافات حتى يكون الموت اعز من الحياة الحمراء ، أو احب حينئذ الى احدهم من الحياة ، وما ذلك الا لما يدهنون به من الضر والضراء والفتنة العشواء وقوام الدين يومئذ وزعماؤهم يومئذ اناس ليسوا من أهله ، فمج الدين بهم وتعفو آياته ويدبر توليا وامحاقا ، فلا يبقى منه الا اسمه حتى ينعاه ناعيه والمؤمن يومئذ غريب والديانون قليل ماهم ، حتى يستأنس الناس من روح الله وفرجه الا اقلهم ، وتظن اقوام ان لن ينصر الله رسله ويحق وعده . فإذا بهم الشصائب والنقم واخذ من جميعهم بالكظم تلافى الله دينه وراش عباده من بعدما قنطوا برجل من ذرية نبيهم احمد ونجله ، يأتي الله عز وجل به من حيث لا يشعرون ، وتصلى عليه السماوات وسكانها وتفرح به الأرض وما عليها من سوام وطائر وانام ، وتخرج له امكم - يعنى الأرض - بركتها وزينتها وتلقى إليه كنوزها وافلاذ كبدها ، حتى تعود كهيئتها على عهد آدم عليه السلام ، وترفع عنهم المسكنة والعاهات في عهده والنقمات التى كانت تضرب بها الامم من قبل ، وتلقى في البلاد الامنة وتنزع حمة كل ذات حمة ، ومخلب كل ذى مخلب ، وناب كل ذى ناب ، حتى ان الجويرية اللكاع لتعب بالافعوان ، فلا يضرها شيئا ، وحتى يكون الاسد في الباقر كأنه راعيها ، والذئب في البهم كأنه ربها . ويظهر الله عبده على الدين كله فيملك مقاليد الاقاليم الى بيضاء الصين ، حتى لا يكون على عهده في الأرض أجمعها الا دين الله الحق ارتضاه لعباده وبعث به آدم بديع فطرته واحمد خاتم رسالته ومن بينهما من أنبيائه ورسله . فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال : اشهد بالله البديع يا ايها النبيه الخطير والعليم الأثير لقد ابتسم الحق بقلبك واشرق الجنان بعدل منطقك وتنزلت كتب الله التى جعلها نورا في بلاده وشاهدة على عباده بما اقتصصت من سطورها حقا فلم يخالف طرس منها طرسا ولا رسم من آياتها رسما فما بعد هذا . قال العاقب : فانك زعمت زعمة اخا قريش فكنت بما تأثر من هذا حق غالط ، قال : وبم ، ألم تعترف له بنبوته ورسالته الشواهد ؟ قال العاقب : بلى لعمروالله ولكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله عز وجل وبين الساعة ، اشتق اسم احدهما من صاحبه محمد واحمد ، بشر بأولهما موسى عليه السلام وثانيهما عيسى عليه السلام ، فأخو قريش هذا مرسل الى قومه ويقفوه من بعده ، ذو الملك الشديد والأكل الطويل ، يبعثه الله عز وجل خاتما للدين وحجة على الخلائق اجمعين ، ثم تأتى من بعده فترة تتزايل فيها القواعد من مراسيها فيعيدها الله عز وجل ويظهره على الدين كله ، فيملك هو والملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه الليل والنهار من أرض وجبل وبر وبحر ، يرثون أرض الله عز وجل ملكا كما ورثهما أو ملكهما الابوان آدم ونوح عليهما السلام ، يلقون وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة . فاولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد الله وبلاده الا بهم ، وعليهم ينزل عيسى بن البكر عليه السلام على آخرهم ، بعد مكث طويل وملك شديد ، لا خير في العيش بعدهم ، وتردفهم رجرجة طغام في مثل أحلام العصافير وعليهم يقوم الساعة ، وانما تقوم على شرار الناس واخابثهم ، فذلك الوعد الذى صلى به الله عز وجل على أحدكما صلى به خليله ابراهيم عليه السلام في كثير مما لأحمد صلى الله عليه من البراهين والتأكيد الذى خبرت به كتب الله الاولى . قال حارثة : فمن الاثر المستقر عندك ابا واثلة في هذين الاسمين انهما لشخصين لنبيين مرسلين في عصرين مختلفين ، قال العاقب : أجل ، قال : فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ظن ؟ قال العاقب : كلا والمعبود ان هذا لاجلي من بوح ، واشار له الى جرم الشمس المستدير ، فاكب حارثة مطرقا وجعل ينكث في الارض عجبا ، ثم قال : انما الافة ايها الزعيم المطاع ان يكون المال عند من يخزنه لامن ينفقه والسلاح عند من يتزين به لامن يقاتل به والرأى عند من يملكه لامن ينصره . قال العاقب : لقد اسمعت يا حويرث فاقذعت وطفقت فاقدمت فيه ؟ قال : اقسم بالذى قامت به السماوات والارضون باذنه وغلبت الجبابرة بأمره انهما اسمان مشتقان لنفس واحدة ، واحد لنبى وواحد رسول ، واحد انذر به موسى بن عمران وبشر به عيسى بن مريم ومن قبلهما اشار به صحف ابراهيم عليه السلام ، فتضاحك السيد ، يرى قومه ومن حضرهم ان ضحكه هزؤ من حارثة وتعجب وانتشط العاقب من ذلك ، فأقبل على حارثة مؤنبا ، فقال : لا يغررك باطل أبى قرة فانه وان ضحك لك فانما يضحك منك . قال حارثة : لئن فعلها لأنها لاحدى الدهارس أو سوء أفلم تتعرفا راجع الله بكما من موروث الحكمة لا ينبغى للحكيم ان يكون عباسا في غير ادب ولا ضحاكا في غير عجب أو لم يبلغكما عن سيد كما المسيح عليه السلام ، قال : فضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكره ألهته عما في غده . قال السيد : يا حارثة انه لا يعيش والله احد بعقله حتى يعيش بظنه ، وإذا أنا لم أعلم الا ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك انت عن سيدنا المسيح علينا سلامه ان لله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربهم وبكوا سرا من خفية ربهم ؟ قال : إذا كان هذا فنعم ، قال : فماهنا فليكن مراجم ظنونك بعباد ربك ، وعدبنا الى ما نحن بسبيله ، فقد طال التنازع والخصام بيننا يا حارثة ، قالوا : وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم . فقال السيد : يا حارثة ألم ينبؤك أبو واثلة بأفضح لفظ اخترق اذنا ودعا ذلك بمثله مخبرا ، فالقاك مع غرمانك بموارده حجرا وهاجما أنا ذا آكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث ، فانشهدك الله وما أنزل الى كلمته من كلماته ، هل تجد في الزجرة المنقولة من لسان اهل سوريا الى لسان العرب يعنى صحيفة شمعون بن حمون الصفا التى توارثها عنه اهل النجران ؟ قال اسيد : ألم يقل بعد نبذ طويل من كلام فإذا طبقت وقطعت الارحام وعفت الاعلام بعث الله عبده الفارقليطا بالرحمة والمعدلة ، قالوا : وما الفار قليطا يا مسيح الله ؟ قال : احمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذى يصلى عليه حيا ويصلى عليه بعدما يقبضه إليه بابنه الطاهر الخاير ، ينشره الله في آخر الزمان بعدما انقضت عرى الدين وخبت مصابيح الناموس ، وافلت نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح الا امما حتى يعود الدين به كما بدء ، ويقر الله عز وجل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه وينشر منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب . قال حارثة : كلما قد انشدتما حق لا وحشة مع الحق ولا انس في غيره ، فمه ؟ قال السيد : فان من الحق ان لا حظ في هذه الا كرومة للابتر ، قال حارثة : انه لكذلك أليس بمحمد ؟ قال السيد : انك ما عملت الا لدا ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا فيما تجسسنا من خبره ان ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا وغودر محمد كقرن الاغصب موف على ضريحه ، فلو كان له بقية كان لك بذلك مقالا إذا ولت انباؤه الذى تذكر . قال حارثة : العبر لعمرو الله كثيرة والاعتبار بها قليل ، والدليل موف على سنن السبيل ان لم يعش عنه ناظر وكما ان ابصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها ، فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ، الا ومن كان كذلك فلستماه - واشار الى السيد والعاقب - انكما ويمين الله لمحجوجان بما أتاكما الله عزوجل من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة ، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنز لة في الناس ، فقد جعل الله عز وجل من أتاه سلطانا ملوكا للناس واربابا وجعلكما حكما وقواما على ملوك ملتنا وذادة لهم يفزعون اليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم وتامرانهم فيأتمرون لكما وحق لكل ملك أو مؤطأ الاكناف ان يتواضع لله عز وجل إذ رفعه ، وان ينصح لله عز وجل في عباده ولا يدهن في امره وذكرتما محمدا بما حكمت له بالشهادات الصادقة وبينة فيه الاسفار المستحفظة ، ورأيتماه مع ذلك مرسلا الى قومه لا الى الناس جميعا وان ليس بالخاتم الحاشر ولا الوارث العاقب النكما زعمتماه ابترأ ليس كذلك ؟ قالا : نعم . قال : أرأيتكما لو كان به بقية وعقب هل كنتما ممتريان لما تجدان وبما تكذبان من الواراثة والظهور على النواميس انه النبي الخاتم والمرسل الى كافة البشر ؟ قالا : لا ، قال : أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللوائم والخصائم عندكما مستقرا ؟ قالا : أجل ، قال : الله أكبر ، قالا : كبرت كبيرا فما دعاك الى ذلك ؟ قال حارثة : الحق أبلج والباطل لجلج ، ولنقل ماء البحر ولشق الضحر أهون من اماتة ما أحياه الله عزوجل واحياء ما أماته الان ، فاعلما ان محمدا غير أبتر وانه الخاتم الوارث والعاقب الحاشر حقا ، فلا نبى بعده وعلى امته تقوم الساعة ، ويرث الله الأرض ومن عليها وان من ذريته الأمير الصالح الذى بينتما ونبأتما انه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره الله عز وجل بالحنيفة الابراهيمية على النواميس كلها ؟ قالا : اولى لك يا حارثة لقد اغفلناك وتأبى الا مراوغة كالثعالبة فما تسأم المنازعة ولا تمل من المراجعة ، ولقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك به ؟ قال : اما وجدكما لانبئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفى به جوى الصدور . ثم أقبل على أبى حارثة حصين بن علقمة شيخهم واسقفهم الأول ، فقال : ان رأيت أيها الاب الاثير ان تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا باحضار الجامعة والزاجرة ، قالوا : وكان هذا المجلس الرابع من اليوم وذلك لما خلقت الأرض وركدت الشمس وفى زمن قيظ شديد ، فاقبلا على حارثة ، فقالا : ارج هذا الى غد فقد بلغت القلوب منا الصدور فتفرقوا على احضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراان منهما . فلما كان من الغد صار أهل نجران الى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبينه من الجامعة ، ولما رأى السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما لعلمها بصوا قول حارثة واعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس وكانا من شياطين الانس . فقال السيد : انك قد أكثرت وأمللت قض الحديث لنا مع قصه ودعنا من تبينانه ، فقال حارثة : وهل هذا الا منك وصاحبك ، فمن الان فقولا ما شئتما ، فقال العاقب : مامن مقال الاقلنا وسنعود فنخبر بعض ذلك تخبيرا غير كاتمين لله عز وجل من حجة ولا جاحدين له آية ولا مفترين مع ذلك على الله عزوجل لعبد انه مرسل منه وليس برسوله ، فنحن نعترف يا هذا بمحمد صلى الله عليه وآله انه رسول من الله عزوجل الى قومه من بنى اسماعيل عليهم السلام في غير ان تجب له بذلك على غيرهم من عرب الناس ولا اعاجهم تباعة ولا طاعة بخروج له عن ملة ولا دخول معه في ملة الا الاقرار له بالنبوة والرسالة الى اعيان قومه ودينه . قال حارثة : وبم شهدتما له بالنبوة والأمر ؟ قالا : حيث جائتنا فيه البينة من تباشير الأناجيل والكتب الخالية ، فقال : منذ وجب هذا لمحمد صلى الله عليه وآله عليكما في طويل الكلام وقصيره وبدئه وعوده ، فمن أين زعمتها انه ليس بالوارث الحاشر ولا المرسل الى كافة البشر ؟ قالا : لقد علمت وعلمنا فمانترى بان حجة الله عزوجل لم ينته أمرها وآنهاكلمة الله جارية في الاعقاب مااعتقب الليل والنهار وما بقى من الناس شخصان وقد ظننا من قبل ان محمدا صلى الله عليه وآله ربها وانه القائد بزمامها ، فلما اعقمه وجل الباقية ونبيه الخاتم بشهادة كتب الله عزوجل المنزلة ليس بأبتر ، فإذا هو نبى يأتي ويخلد بعد محمد صلى الله عليه وآله اشتق اسمه من اسم محمد وهو احمد الذى نبأ المسيح عليه السلام باسمه وبنبوته ورسالاته الخاتمة ويملك ابنه القاهرة الجامعة للناس جميعا على ناموس الله عزو جل الأعظم ليس بمظهرة دينه ولكنه من ذريته وعقبه يملك قرى الأرض وما بينهما من لوب وسهل وصخر وبحر ملكا مورثا موطا وهذا نبأ احاطت سفرة الاناجيل به علما وقد أوسعناك بهذا القيل سمعا وعدنا لك به انفة بعد سالفة فما اربك الى تكراره . قال حارثة : قد اعلم انا واياكما في رجع من القول منذ ثلاث وما ذاك الا ليذكر ناس ويرجع فارط وتظهر لنا الكلم وذكرتما نبيين يبعثان يعتقبان بين مسيح الله عز وجل والساعة قلتما وكلاهما من بنى اسماعيل ، أولهم محمد بيثرب وثانيهما احمد العاقب ، واما محمد صلى الله عليه وآله اخو قريش هذا القاطن بيثرب فآياته حق مؤمن أجل وهو والمعبود احمد الذى نبأت به كتب الله عز وجل ودلت عليه آياته وهو حجة الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله الخاتم الوارث حقا ولا نبوة ولا رسول الله عزوجل ولا حجة بين ابن البتول والساعة غيره ، بلى وم كان منه من ابنته البتولة البهلولة الصديقة فامنتما ببلاغ الله لكنكما من نبوة محمد صلى الله عليه وآله في أمر مستقر ، ولولا انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به انه السابق العاقب ؟ قالا : أجل ان ذلك لمن أكبر اماراته عندنا . قال : فأتنما والله فيما تزعمان من نبى ثان من بعده في أمر ملتبس والجامعة يحكم في ذلك بيننا ، فتنادى الناس من كل ناحية وقالوا : الجامعة يا ابا حارثة الجامعة ، وذلك لما مسهم في طول تحاور الثلاثة من السأمة والملل ، وظن القوم مع ذلك ان الفلج لصاحبيهما لما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك ، فأقبل أبو حارثة الى علج واقف منه فقال : امض يا غلام فات بهما ، فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتماسك بها الثقلها . قال : فحدثني رجل صدق من النجزانية ممن كان يلزم السيد والعاقب ويخف لهما في بعض امورهما ويطلع على كثير من شأنهما ، قال : لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من السيد والعاقب كل مبلغ لعلمهما بما يهحمان عليه في تصفحهما من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وذكر أهل بيته وازواجه وذريته وما يحدث في امته واصحابه من بوائق الأمور من بعده الى فناء الدنيا وانقطاعها . فأقبل أحدهما على صاحبه فقال : هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه ، لقد شهدته اجسامنا وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا ولقل ما شهد سفهاء قوم مجمعة الا كانت لهم الغلبة ، قال الاخر : فهم شر غالب لمن ان احدهم ليفيق بأدنى كلمة ويفسد في بعض ساعة مالا يستطيع الاسى الحليم له رتقا ولا الخولى النفيس اصلاحا له في حول محرم له ذلك ، لان السفيه هادم والحليم بان وشتان بين البناء والهدم . قال : فانتهز حارثة الفرصة فارسل في خيفة وسر الى النفر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم ، فحضروا فلم يستطيع الرجلان فض ذلك المجلس ولا ارجاؤه ، وذلك لما بينا من تطلع عامتها من نصارى نجران الى معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وانبعاث له مع حضور رسل رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك وتأليب حارثة عليهما فيه وصفو أبى حارثة شيخهم إليه . قال : قال لى ذلك الرجل النجرانى ، فكان الرأى عندهما ان ينقادا لما يدهمهما من هذا الخطب ولا يظهران شماسا منه ولا نفورا ، حذار ان يطرقا الظنة فيه اليهما وان يكونا ايضا اول معتبر للجامعة ومستحث لهما لئلا يفتات في شئ من ذك المقام والمنزلة عليهما ثم يستبين ان الصواب في الحال ويستنجد انه ليأخذان بموجبه فتقدما لما تقدم في أنفسهما من ذلك الى الجامعة وهى بين يدى أبى حارثة وحاذاهما حارثة بن اثال وتطاولت اليهما فيه الاعناق ، وحفت رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بهم ، فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت الله عزو جل جلاله وما ذرء وما برء في ارضه وسمائه وما وصلهما جل جلاله من ذكر عالميه ، وهى الصحيفة التى ورثها شيث من ابيه آدم عليه السلام عما دعا من الذكر المحفوظ . فقرء القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة تصلبا لما تنازعوا فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم مضجون مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك ، فألفوا في المسباح الثاني من فواصلهما : بسم الله الرحمن الرحيم انا الله لا اله الا أنا الحى القيوم ، معقب الدهور وفاصل الامور ، سبقت بمشيتي الاسباب وذللت بقدرتي الصعاب ، فانا العزيز الحكيم الرحمان الرحيم ، ارحم ترحم ، سبقت رحمتى غضبى وعفوي عقوبتي ، خلقت عبادي لعبادتي وألزمتهم حجتى ، الا انى باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي ، ابرم ذلك من لدن اول مذكور من بشر الى احمد نبيى وخاتم رسلي ، ذاك الذى اجعل عليه صلواتي واسلك في قلبه بركاتي وبه أكمل انبيائي ونذرى . قال آدم عليه السلام : الهى من هؤلاء الرسل ومن احمد هذا الذى رفعت وشرفت ؟ قال : كل من ذريتك واحمد عاقبهم ، قال : رب بما أنت باعثهم ومرسلهم ؟ قال : بتوحيدي ، ثم اقفى ذلك بثلثمائة وثلاثين شريعة ، انظمها وأكملها لاحمد جميعا فاذنت لمن جاءني بشريعة منها مع الايمان بى وبرسلي ان ادخله الجنة ، ثم ذكر ما جملته : ان الله تعالى عرض على آدم عليه السلام معرفة الانبياء عليهم السلام وذريتهم ونظرهم آدم . ثم قال ماهذا لفظه : ثم نظر آدم عليه السلام الى نور قد لمع فسد الجو المنخرق ، فأخذ بالمطالع من المشارق ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب ثم سمى حتى بلغ ملكوت السماء ، فنظر فإذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا الاكناف به قد تضوعت طيبا وإذا انوار اربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وامامه اشبه شئ به ارجا ونورا ويتلوها انوار من بعدها تستمد منها ، وإذا هي شبيه بها في ضيائها وعظمها ونشرها ، ثم دنت منها فتكللت عليها وحفت بها ونظر ، فإذا انوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب ودون منازل الاوائل جدا جدا ، وبعض هذه اضوء من بعض وهى في ذلك متفاوتون جدا ، ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كل وجهة وارب ، فاقبلوا كذلك حتى ملؤوا القاع والاكم فإذا هم أقبح شئ صورا وهيئة وانتنه ريحا . فبهر آدم عليه السلام ما رأى من ذلك وقال : يا عالم الغيوب وغافر الذنوب وياذا القدرة القاهرة والمشية الغالبة من هذا الخلق السعيد الذى كرمت ورفعت على العالمين ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له ؟ فأوحى الله عزو جل إليه : يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من اسعدت من خلقي ، هؤلاء السابقون المقربون والشافعون المشفعون ، وهذا احمد سيدهم وسيد بريتى ، اخترته بعلمي واشتققت اسمه من اسمى ، فانا المحمود وهو محمد ، وهذا صنوه ووصيه ، آزرته به وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه ، وهذه سيدة امائى والبقية في علمي من احمد نبيى ، وهذان السبطان والخلفان لهم ، وهذه الاعيان المضارع نورها انوارهم بقية منهم ، الا ان كلا اصطفيت وطهرت وعلى كل باركت وترحمت ، فكلا بعلمي جعلت قدوة عبادي ونور بلادي . ونظر فإذا شبح في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا ، فقال الله تبارك وتعالى : وبعبدي هذا السعيد افك عن عبادي الاغلال واضع عنهم الاصار ارضى به حنانا ورأفة وعدلا كما مئلت من قبله قسوة وقشعرية وجورا . قال آدم عليه السلام : رب ان الكريم من كرمت وان الشريف من شرفت ، وحق يا الهي لمن رفعت واعليت ان يكون كذلك ، فياذا النعم التى لا تنقطع والاحسان الذى لا يجازى ولا ينفد ، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك وعظيم فضلك وحبائك ، وكذلك من كرمت من عبادك المرسلين ؟ قال الله تبارك وتعالى : انى أنا الله لا اله الا أنا الرحمان الرحيم العزيز الحكيم عالم الغيوب ومضمرات القلوب ، اعلم ما لم يكن مما يكون كيف يكون ، وما لا يكون كيف لو كان يكون ، وانى اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي فلم أر فيهم اطوع لى ولا انصح لخلقي من انبيائي ورسلي ، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي والزمتهم عب‌حجتى واصطفيتهم على البرايا برسالتى وولى ، ثم القيت بمكانتهم تلك في منازلهم حوامهم واوصيائهم من بعدى ودائع حجتى والسادة في بريتى ، لأجبر بهم كسر عبادي واقيم بهم اودهم ذلك ، انى بهم وبقلوبهم لطيف خبير ، ثم اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي ، فلم اجد فيهم اطوع ولا انصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي ، فاخترته على علم ورفعت ذكره الى ذكرى ، ثم وجدت قلوب حامته اللاتى من بعده على صبغة قلبه فألحقهم به وجعلتهم ورثة كتابي ووحيى وأوكار حكمتي ونورى ، وآليت بى الا اعذب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي وجعل مودتهم ابدا . ثم امرهم أبو حارثة ان يصيروا الى صحيفة شيث الكبرى التى انتهى ميراثها الى ادريس النبي عليه السلام ، قال : وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم ، وهو الذى كتب به من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهياطلة وهم النمادرة ، قال : فاقتص القوم الصحيفة وافضوا منها الى هذا الرسم . قال : اجتمع الى ادريس عليه السلام قومه وصحابته ، وهو يومئذ في بيت عبادته من ارض كوفان ، فخبرهم فيما اقتص عليهم ، قال : ان بنى ابيكم آدم عليه السلام الصلبية وبنى بنيه اختصموا فيما بينهم وقالوا : أي الخلق عندكم اكرم على الله عزوجل وارفع لديه مكانه واقرب منه منزلة ؟ فقال بعضهم : ابوكم آدم عليه السلام خلقه الله عز وجل بيده واسجد له ملائكته وجعله الخليفة في ارضه وسخر له جميع خلقه ، وقال آخرون : بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عز وجل ، وقال بعضهم : لا بل امين الله جبرئيل عليه السلام . فانطلقوا الى آدم عليه السلام فذكروا الذى قالوا واختلفوا فيه ، فقال : يا بنى أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عزوجل ، انه والله لما ان نفخ في الروح حتى استويت جالسا فبرق لى العرش العظيم ، فنظرت فيه فإذا فيه : لا اله الا الله محمد رسول الله ، فلان صفوة الله فلان امين الله فلان خيرة الله عزوجل ، فذكر عدة اسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه وآله . قال آدم : ثم لم أر في السماء موضع اديم - أو قال : صفيح - منها ، الا وفيه مكتوب : لا اله الا الله ، وما من موضع مكتوب فيه : لا اله الا الله وفيه مكتوب خلقا لا خطا : محمد رسول الله ، وما من موضع في مكتوب : محمد رسول الله ، الا ومكتوب : فلان خيرة الله فلان صفوة الله فلان امين الله عزوجل ، فذكر عدة اسماء تنتظم حساب المعدود ، قال آدم عليه السلام : فمحمد صلى الله عليه وآله يا بنى ومن خط من تلك الأسماء معه اكرم الخلائق على الله تعالى جميعا . ثم ذكر ان ابا حارثة سأل السيد والعاقب ان يقفا على صلوات ابراهيم عليه السلام الذى جاء بها الاملاك من عند الله عزوجل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة ، قال أبو حارثة : لا بل شارفوها بأجمعها واسبروها ، فانه أصرم للمعذور وارفع لحكة الصدور ، وأجدر الا ترتابوا في الأمر من بعد ، فلم يجد من المصير الى قوله من بد ، فعمد القوم الى تابوت ابراهيم عليه السلام قال : وكان الله عزوجل بفضله على من يشاء من خلقه ، قد اصطفى ابراهيم عليه بخلته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة واماما لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والامامة والكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن اول وورثه تابوت آدم عليه السلام المتضمن للحكمة والعلم الذى فضله الله عز وجل به على الملائكة طرا . فنظر ابراهيم عليه السلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوى العزم من الانبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم ، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه : هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر ، فقال ابراهيم عليه السلام ، الهى وسيدي من هذا الخلق الشريف ؟ فأوحى الله عزو جل : هذا عبدى وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا الوارث ، قال : رب ما الفاتح الخاتم ؟ قال : هذا محمد خيرتي وبكر فطرني وحجتي الكبرى في بريتى ، نبئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد ، ثم انى باعثه عند انقطاع الزمان لتكلمة دينى وخاتم به رسالاتي ونذرى ، وهذا على اخوه وصديقه الأكبر ، آخيت بينهما واخترتهما وصليت وباركت عليهما وطهرتهما واخلصتهما والابرار منهما وذريتهما قبل ان اخلق سمائي وارضى وما فيهما من خلقي ، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انى بعبادي عليهم خبير . قال : ونظر ابراهيم عليه السلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ اشكالهم لحسنهما نورا ، فسأل ربه عزوجل وتعالى فقال : رب نبئنى بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد ووصيه وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه عليهم السلام ، فأوحى الله عزوجل إليه : هذه امتى والبقية من بنى فاطمة الصديقة الزهراء وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيى ، هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان وهذا كلمتي التى انشر به رحمتى في بلادي وبه انتاش دينى وعبادي ذلك بعد اياس منهم وقنوط منهم من غياثي ، فإذا ذكرت محمدا نبيى لصلواتك فصل عليهم معه يا ابراهيم . قال : فعندها صلى عليهم ابراهيم عليه السلام فقال : رب صل على محمد وآل محمد كما اجتبيتهم واخلصتهم اخلاصا ، فأوحى الله عز وجل لتهنك كرامتي وفضلي عليك فانى صائر بسلالة محمد صلى الله عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم الى قناة صلبك ومخرجهم منك ثم من بكرك اسماعيل عليه السلام ، فابشر يا ابراهيم فانى واصل صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحمي عليك وعليهم وجاعل حناني وحجتي الى الأمد المعدود واليوم الموعود الذى ارث فيه سمائي وارضى وابعث له خلقي لفصل قضائي وافاضة رحمتى وعدلي . قال : فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما افضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة والصحف الدراسة من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفة اهل بيته المذكورين معه بما هم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ازداد القوم بذلك يقينا وايمانا واستطيروا له فرحا . قال : ثم صار القوم الى ما نزل على موسى صلى الله عليه وآله فالفوا في السفر الثاني من التوراة انى باعث في الاميين من ولد اسماعيل رسولا انزل عليه كتابي وابعثه بالشريعة القيمة الى جميع خلقي ، اوتيته حكمتي وايدته بملائكتي وجنودي يكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ثم من شبلين لهما كاسماعيل واسحاق ، اصلين لشعبتين عظيمتين اكثرهم جدا جدا ، يكون منهم اثنى عشر فيما اكمل بمحمد صلى الله عليه وآله وبما ارسله به من بلاغ وحكمة دينى واختم به انبيائي ورسلي فعلى محمد صلى الله عليه وآله وامته تقوم الساعة . فقال حارثة : الان اسفر الصبح لذى عينين ووضح الحق لمن رضى به دينا ، فهل في انفسكما من مرض تستشفيان به فلم يرجعا إليه قولا ، فقال أبو حارثة : اعتبروا الامارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام فصار الى الكتب والاناجيل التى جاء بها عيسى عليه السلام ، فالفوا في المفتاح الرابع من الوحى الى المسيح عليه السلام : يا عيسى بن الطاهرة البتول اسمع قولى وجد في أمرى ، انى خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين ، فاياى فاعبد وعلى فتوكل ، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل سوريا واخبره انى أنا الله لا اله الا أنا الحى القيوم الذى لا أحول ولا أزول ، فآمنوا بى وبرسولي النبي الامي الذى يكون في آخر الزمان نبى الرحمة والملحمة الاول والاخر ، قال : اول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا ، ذلك العاقب الحاشر فبشر به بنى اسرائيل . قال عيسى عليه السلام : يا مالك الدهور وعلام الغيوب من هذا العبد الصالح الذى قد احبه قلبى ولم تره عينى ، قال : ذلك خالصتي ورسولي المجاهد بيده في سبيلى يوافق قوله فعله وسريرته علانيته انزل عليه توراة حديثة ، افتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب وطوباه طوبى امته . قال : رب ما اسمه وعلامته وما أكمل امته - يقول : ملك امته - وهل له من بقية - يعنى ذرية ؟ قال : سأنبئك بما سألت ، اسمه احمد صلى الله عليه وآله منتخب من ذرية ابراهيم ومصطفى من سلالة اسماعيل عليه السلام ، ذو الوجه الاقمر والجبين الأزهر راكب الجمل ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يبعثه الله في امة امية ما بقى الليل والنهار مولده في بلد ابيه اسماعيل - يعنى مكة - كثير الازواح قليل الاولاد نسله من مباركة صديقة ، يكون له منها ابنة ، لها فرحان سيدان يستشهدان ، اجعل نسل احمد منهما ، فطوباهما ولمن احبهما وشهد ايامهما فنصرهما . قال عيسى عليه السلام ، الهى وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة ساقها واغصانها من ذهب وورقها حلل وحملها كثدي الابكار ، احلى من العسل وألين من الزبد وماؤها من تسنيم لو ان غرابا طار وهو فرخ لا دركه الهرم من قبل ان يقطعها ، وليس منزل من منازل اهل الجنة الا وظلاله فنن من تلك الشجرة ، قال : فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عز وجل الى المسيح عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته وملك امته وذكر ذريته واهل بيته ، امسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك . قال : فلما فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه بينوه في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قدروا من تحريفها ولم يمكنهما ان يلتبسا على الناس في تأويلهما امسكا عن المنازعة من هذا الوجه وعلما انهما قد اخطأ سبيل الصواب فصار الى معبدهم آسفين لينظرا ويرتئيا ، وفزع اليهما نصارى نجران ، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما ، فقالا : ما معناه تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد وسنسير الى بنى قريش الى يثرب وننظر الى ما جاء به والى ما يدعوا إليه . قال : فلما تجهز السيد والعاقب للمسير الى رسول الله بالمدينة انتدب معهما اربعة عشر راكبا من نصارى نجران هم من اكابرهم فضلا وعلما في انفسهم وسبعون رجلا من اشراف بنى الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان قيس بن الحصين ذو الغصة ويزيد بن عبدالمدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على بقية مسير قومهم فشخصا معهم ، فاغترز القوم في ظهور مطاياهم وجنبوا خيلهم واقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة ، قال : ولما استرات رسول الله صلى الله عليه وآله خبر اصحابه انفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة امرهم ، فالفوهم وهم عامدون الى رسول الله صلى الله عليه وآله . قال : ولما دنوا من المدينة احب السيد والعاقب ان يباهيا المسلمين واهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم ، فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الارض فالقيتم عنكم تفثكم وثياب سفركم ، وشننتم عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم والقوا عنهم ثياب بذلتم ولبسوا ثياب صونهم من الاتحميات والحرير ، وذروا المسك في لممهم ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسج خيلهم واقبلوا يسيرون رذقا واحدا وكانوا من أجمل العرب صورا واتمهم اجساما وخلقا . فلما تشرفهم الناس اقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا اجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده وحانت وقت صلاتهم ، فقاموا يصلون الى المشرق ، فاراد الناس ان ينهوهم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ثم امهلهم وامهلوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا الى هديه ويعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته . فلما كان بعد ثالثة دعاهم صلى الله عليه وآله الى الاسلام فقالوا : يا ابا القاسم ما اخبرتنا كتب الله عزوجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام الا وقد تعرفناه فيك الا خلة هي اعظم الخلال آية ومنزلة واجلاها امارة ودلالة . قال صلى الله عليه وآله : وما هي ؟ قالوا : انا نجد في الانجيل من صفة النبي الغابر من بعد المسيح انه يصدق به ويؤمن به وانت تسبه وتكذب به وتزعم انه عبد ، قال : فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبى صلى الله عليه وآله الا في عيسى عليه السلام . فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا ، بل اصدقه واصدق به وأؤمن به واشهد انه النبي المرسل من ربه عز وجل واقول : انه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قالوا : وهل يستطيع العبد ان يفعل ماكان يفعل وهل جائت الانبياء بما جاء به من القدرة القاهرة ألم يكن يحيى الموتى ويبرى الأكمه والابرص وينبئهم بما يكنون في صدورهم وما يدخرون في بيوتهم ، فهل يستطيع هذا الا الله عزو جل أو ابن الله ، وقالوا في الغلو فيه واكثروا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ؟ فقال صلى الله عليه وآله : قد كان عيسى اخى كما قلتم يحيى الموتى ويبرى الأكمه والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وبما يدخرون في بيوتهم ، وكل ذلك باذن الله عز وجل وهو لله عز وجل عبد وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وامشاجا يأكل الطعام ويظمى وينصب باربه وربه الاحد الحق الذى ليس كمثله شئ وليس له ند ، فارنا مثله من جاء من غير فحل ولا اب ؟ قال : هذا آدم عليه السلام اعجب منه خلقا ، جاء من غير اب ولا ام وليس شئ من الخلق بأهون على الله عزوجل في قدرته من شئ ولا اصعب ، ( انما أمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ، وتلا عليهم : ( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) ، قالا : فما نزداد منك في امر صاحبنا الا تباينا وهذا الأمر الذى لانقر لك فهلم فلنلاعنك اينا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، فانها مثلة وآية معجلة . فأنزل الله عز وجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله : ( فمن حاجك فيه بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابنائنا وابناءكم ونساءكم وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على لكاذبين ) ، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه في ذلك من القرآن ، فقال صلى الله عليه وآله : ان الله قد امرني اصير الى ملتمسكم وامرني بمباهلتكم ان اقمتم واصررتم على قولكم ، قالا : وذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غدا باهلناك . ثم قاما واصحابهما من النصارى معهما فلما ابعدا وقد كانوا انزلوا بالحرة اقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد جاءكم هذا بالفصل من امره وامركم فانظروا اولا بمن يباهلكم ابكافة اتباعه ، أم بأهل الكتاب من اصحابه ، أو بذوى التخشع والتمسك والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا ، فان جاءكم بالكثرة وذوى الشدة منهم ، فانما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك ، فالفج إذا لكم دونه ، وان اتاكم بنفر قليل من ذوى تخشع ، فهؤلاء سجية الانبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فاياكم والاقدام إذا على مباهلتهم ، فهذه لكم امارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد اعذار من انذر . فامر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح ما بينهما ، وامهل حتى إذا كان من الغد امر بكساء اسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلما ابصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بنى الحرث بن الكعب في احسن هيئة ، واقبل الناس من اهل المدينة مز المهاجرين والانصار وغير هم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم والويتهم واحسن شارتهم وهيئتهم ، لينظروا ما يكون من الأمر . ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرته حتى متع النهار ، ثم خرج آخذا بيد على والحسن والحسين امامه وفاطمة عليهم السلام من خلفهم ، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التى خرج بها من حجرته ، فأرسل اليهما يدعوهما الى ما دعاه إليه من المباهلة . فاقبلا إليه فقالا : بمن تباهلنا يا ابا القاسم ؟ قال : بخير اهل الأرض واكرمهم على الله عزوجل ، بهؤلاء واشار لهما الى على وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، قالا : فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولامن الكثر ولا اهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك ، وما نرى هاهنا معك الا هذا الشاب المرأة والصبيين ، أفبهؤلاء تباهلنا ؟ قال صلى الله عليه وآله : نعم ، أو لم أخبركم بذلك آنفا ، نعم بهؤلاء امرت والذى بعثنى بالحق ان اباهلكم . فاصفارت حينئذ ألوانهما وكرا وعادا الى أصحابنا وموقفهما ، فلما رأى اصحابهما ما بهما وما دخلهما ، قالوا : ما خطبكما ؟ فتماسكا ، وقالا ماكان ثمة من خطب ، فنخبركم وأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتى فيهم علما ، فقال : ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فوالله انكم لتعلمون حق العلم انه الصادق وانما عهدكم باخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير ، فعلموا انه قد نصح لهم فأمسكوا . قال : وكان للمنذرين علقمة اخى اسقفهم أبى حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحا عن نجران في وقت تنازعهم ، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فشخص معهم ، فلما رأى المنذر انتشار امر القوم يومئذ وترددهم في رأيهم اخذ بيد السيد والعاقب على اصحابه فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما . ثم أقبل عليهما فقال : ان الرائد لا يكذب أهله وأنا لكما جد شفيق ، فان نظرتما لأنفسكما نجوتما وان تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما ، قالا : انت الناصح حبيبا المأمون عيبا فهات ، قال : أتعلمان انه ما باهل يوم نبيا قط الا كان مهلكم ان محمدا ابا القاسم هذا هو الرسول الذى بشرت به الانبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم واهل بيتهم الامناء ، واخرى انذركما بها فلا تعشوا عنها ، قالا : وما هي يا ابا المثنا ؟ قال : انظرا الى النجم قد استطلع الى الأرض والى خشوع الشجر وتساقط الطير بارائكما لوجوههما قد نشرت على الأرض اجتحتها وفات ما في حواصلها وما عليها لله عز وجل من تبعة ، ليس ذلك الا ما قد اظل من العذاب وانظر الى اقشعرار الجبال والى الدخان المنتشر وقزع السحاب ، هذا ونحن في حمارة القيظ وابان الهجير ، وانظروا الى محمد صلى الله عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهل معه انما ينتظر ماتحبيبان به ، ثم اعلموا انه ان نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ولم نرجع الى اهل ولامال . فنظرا فابصرا امرا عظيما فايقنا انه الحق من الله تعالى ، فزلزت اقدامها وكادت ان تطيش عقولهما واستعشرا ان العذاب واقع بهما ، فلما ابصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : انكما ان اسلمتها له سلمتها في عاجله وآجله وان آثرتما دينكما وغضارة ملتكما وشححتما بمنزلتكم من الشرف في قومكما ، فلست احجر عليكما الضنين بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما محمدا صلى الله عليه وآله بتطلب المباهلة وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران ، وذلك من تاليكما ، فأسرع محمد صلى الله عليه وآله الى ما بغيتما منه والانبياء إذا اظهرت بامر لم نرجع الا بقضائه وفعله ، فإذ نكلتما عن ذلك واذ هلتكما مخافة ماتريان فالحظ في النكول لكما ، فالوحا يا اخوتى الوحا صالحا محمدا صلى الله عليه وآله وارضياه ولا ترجيا ذلك ، فانكما وانا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب . قالا : فكن أنت يا أبا المثنى أنت الذى تلقى محمدا صلى الله عليه وآله بكفالة ما يبتغيه لدينا والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذى يبرم الأمر بيننا وبينه ، فانه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطئن به ما ترجع الينا به . وانطلق المنذر الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : السلام عليك يارسول الله اشهد ان لا اله الا الله الذى ابتعثك وانك وعيسى عبدان لله عز وجل مرسلان ، فأسلم وبلغه ما جاء له ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام مصالحة القوم ، فقال على عليه السلام : بأبى أنت على ما أصحالهم ؟ فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم معه رأيى ، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجا في كل عام يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب . فصار على عليه السلام بهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله ذليلين صاغرين واخبره بما صالحهما عليه واقرا له بالخرج والصغار ، فقال له رسول صلى الله عليه وآله : قد قبلت ذلك منكم اما انكم لو باهلتمونى بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي نارا تأجج ثم لساقها الله عز وجل الى من ورائكم في أسرع من طرف العين ، فحرقهم تأججا . فلما رجع النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته وصار الى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ان الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول : ان عبدى موسى عليه السلام باهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت بقارون وأهله وماله وبمن آزره من قومه ، وبعزتي أقسم وبجلالي ، يا احمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا والجبال زبرا ولساخت الأرض فلم تستقر ابدا ، الا ان اشاء ذلك . فسجد النبي صلى الله عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين للناس عفرة ابطيه فقال : شكرا للمنعم - قالها ثلاثا ، فسئل النبي صلى الله عليه وآله عن سجدتته ومما رأى من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرا لله عز وجل لما ابلانى من الكرامة في اهل بيتى ، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] برای او که در 439 درگذشته، نک: مقدمه فهرست شيخ، به قلم مرحوم محقق طباطبايي، ص 44-45؛ نيز مقاله ای از آقای رضا استادی درباره او که در نقد گفتاری از مرحوم محمد خان قزوينی نگاشته شده است.
شنبه ۲۷ مرداد ۱۳۸۶ ساعت ۲۳:۳۰
نظرات



نمایش ایمیل به مخاطبین





نمایش نظر در سایت