قال ابن دريد في مقدمة کتابه الجمهرة:
إِنِّي لما رَأَيْت زهد أهل هَذَا الْعَصْر فِي الْأَدَب، وتثاقلهم عَن الطّلب، وعداوتهم لما يجهلون، وتضييعهم لما يعلمُونَ، وَرَأَيْت أكْرم مواهب الله لعَبْدِهِ سَعَة فِي الْفَهم وسلطانا يملك بِهِ نَفسه ولبا يقمع بِهِ هَوَاهُ، وَرَأَيْت ذَا السن من أهل دَهْرنَا لغَلَبَة الغباوة عَلَيْهِ وملكة الْجَهْل لقياده، مضيعا لما استودعته الْأَيَّام مقصرا فِي النّظر فِيمَا يجب عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ ابْن يَوْمه ونتيج سَاعَته، وَرَأَيْت النَّاشِئ الْمُسْتَقْبل ذَا الْكِفَايَة وَالْجدّة مؤثرا للشهوات صادفا عَن سبل الْخيرَات، حبوت الْعلم خزنا على معرفتي بِفضل إذاعته وجللته سترا مَعَ فرط بصيرتي بِمَا فِي إِظْهَاره من حسن الأحدوثة الْبَاقِيَة على الدَّهْر، فعاشرت الْعُقَلَاء كالمسترشد، ودامجت الْجُهَّال كالغبي، نفاسة فِي الْعلم أَن أبثه فِي غير أَهله أَو أَضَعهُ حَيْثُ لَا يعرف كنه قدره، حَتَّى تناهت بِي الْحَال إِلَى صُحْبَة أبي الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن ميكال، أيده الله بتوفيقه، فعاشرت مِنْهُ شهابا ذاكيا وسباقا مبرزا وحكيما متناهيا وعالما متقنا، يستنبط الْحِكْمَة بتعظيم أَهلهَا، ويرتبط الْعلم بتقريب حَملته، ويستجر الْأَدَب بالبحث عَن مظانه لم تطمح بِهِ خُيَلَاء الْملك وَلم تستفزه شرة الشَّبَاب، فبذلت لَهُ مصون مَا أكننت، وأبديت مَسْتُور مَا أخفيت، وسمحت بِمَا كنت بِهِ ضنينا، ومذلت بِمَا كنت عَلَيْهِ شحيحا، إِذْ رَأَيْت لسوق الْعلم عِنْده نفَاقًا ولأهله لَدَيْهِ مزية، وَإِنَّمَا يدّخر النفيس فِي أحرز أماكنه، ويودع الزَّرْع أخيل الْبِقَاع للنفع، فارتجلت الْكتاب الْمَنْسُوب إِلَى جمهرة اللُّغَة، وابتدأت فِيهِ بِذكر الْحُرُوف الْمُعْجَمَة الَّتِي هِيَ أصل تفرع مِنْهُ جَمِيع كَلَام الْعَرَب، وَعَلَيْهَا مدَار تأليفه وإليها مآل أبنيته، وَبهَا معرفَة متقاربه من متباينه ومنقاده من جامحه. وَلم أجر فِي إنْشَاء هَذَا الْكتاب إِلَى الإزراء بعلمائنا وَلَا الطعْن على أسلافنا، وأنى يكون ذَلِك؟ وَإِنَّمَا على مثالهم نحتذي، وبسبلهم نقتدي، وعَلى مَا أصلوا نبتني. وَقد ألف أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخَلِيل بن أَحْمد الفرهودي، رضوَان الله عَلَيْهِ، كتاب الْعين، فأتعب من تصدى لغايته، وعنى من سما إِلَى نهايته، فالمنصف لَهُ بالغلب معترف، والمعاند متكلف، وكل من بعده لَهُ تبع أقرّ بذلك أم جحد، وَلكنه رَحمَه الله ألف كِتَابه مشاكلا لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدة أذهان أهل دهره. وأملينا هَذَا الْكتاب وَالنَّقْص فِي النَّاس فَاش وَالْعجز لَهُم شَامِل، إِلَّا خَصَائِص كدراري النُّجُوم فِي أَطْرَاف الْأُفق، فسهلنا وعره ووطأنا شأزه، وأجريناه على تأليف الْحُرُوف الْمُعْجَمَة إِذْ كَانَت بالقلوب أعبق وَفِي الأسماع أنفذ وَكَانَ علم الْعَامَّة بهَا كعلم الْخَاصَّة، وطالبها من هَذِه الْجِهَة بَعيدا من الْحيرَة مشفيا على المُرَاد.
چهارشنبه ۲۲ تير ۱۴۰۱ ساعت ۱۱:۰۶
نمایش ایمیل به مخاطبین
نمایش نظر در سایت
۲) از انتشار نظراتی که فاقد محتوا بوده و صرفا انعکاس واکنشهای احساسی باشد جلوگیری خواهد شد .
۳) لطفا جهت بوجود نیامدن مسائل حقوقی از نوشتن نام مسئولین و شخصیت ها تحت هر شرایطی خودداری نمائید .
۴) لطفا از نوشتن نظرات خود به صورت حروف لاتین (فینگلیش) خودداری نمایید .