<div style="BORDER-RIGHT: medium none; PADDING-RIGHT: 0cm; BORDER-TOP: #eeeeee 1pt solid; PADDING-LEFT: 0cm; BACKGROUND: white; PADDING-BOTTOM: 2pt; BORDER-LEFT: medium none; PADDING-TOP: 2pt; BORDER-BOTTOM: #eeeeee 1pt solid; mso-border-top-alt: solid #EEEEEE .75pt; mso-border-bottom-alt: solid #EEEEEE .75pt"><p class="MsoNormal" dir="rtl" style="BORDER-RIGHT: medium none; PADDING-RIGHT: 0cm; BORDER-TOP: medium none; PADDING-LEFT: 0cm; TEXT-JUSTIFY: inter-ideograph; BACKGROUND: white; PADDING-BOTTOM: 0cm; MARGIN: 15pt 0cm 0pt; BORDER-LEFT: medium none; PADDING-TOP: 0cm; BORDER-BOTTOM: medium none; TEXT-ALIGN: justify; mso-border-top-alt: solid #EEEEEE .75pt; mso-border-bottom-alt: solid #EEEEEE .75pt; mso-margin-bottom-alt: auto; mso-padding-alt: 2.0pt 0cm 2.0pt 0cm"><span lang="FA" style="FONT-SIZE: 13.5pt; COLOR: #666600; FONT-FAMILY: Arial"></span><span dir="ltr" style="FONT-SIZE: 13.5pt; COLOR: #666600; FONT-FAMILY: Arial"><p /></span></p></div><p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: inter-ideograph; BACKGROUND: white; MARGIN: 0cm 0cm 0pt; LINE-HEIGHT: 22.5pt; TEXT-ALIGN: justify"><span lang="FA" style="FONT-SIZE: 13.5pt; COLOR: black; FONT-FAMILY: Arial"><p /></span></p>
شيخ طوسی در الفهرست (ص 361) و نجاشی در الرجال (ص 307) از کتاب العلل فضل بن شاذان نام برده اند. اين کتاب در شکل کامل آن وسيله شيخ صدوق در دو کتاب عيون أخبار الرضا (ع) و علل الشرايع با اسنادی متصل به ابن شاذان نقل شده است. شيخ صدوق در مجموع دو طريق مختلف به اين کتاب ارائه داده است. گرچه در پايان متن در دو کتاب، به نقل از ابن شاذان ادعا شده که اين متن مجموعه مطالبی است که او از امام رضا (ع) شنيده و آنگاه دست به تدوين و تأليف آنها زده بوده، اما روشن است که اين کتاب بيشتر نماينده آراء شخصی ابن شاذان است و به همين دليل نيز گاهی شيخ صدوق مخالفت خود را با برخی مطالب آن ابراز داشته است. نحوه استدلالات ابن شاذان در اين متن و استناد به احاديث امامان گذشته نيز مؤيد همين نکته است. در عين حال بايد اين نکته را نيز مورد توجه قرار داد که روايت مستقيم ابن شاذان از امام رضا (ع) محل ترديد است. به نظر می رسد که آنچه که در پايان متن به نقل از ابن شاذان آمده، مطلب الحاقی از سوی راويان و ناقلان برای توجيه شيوه ابن شاذان در اين کتاب و مشروعيت بخشی به آن بوده است. به هرحال اين کتاب از لحاظات مختلف برای بررسی آرای ابن شاذان و نيز انديشه کلامی و فقهی و شيوه استدلالی او اهميت دارد.
در عيون، شيخ صدوق در توصيف متن ابن شاذان، می نويسد: [باب] العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى عليه السلام مرة بعده مرة وشيئا بعد شئ فجمعها وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا عليه السلام.
در اينجا ما متن را بر اساس علل الشرايع نقل می کنيم، اما مناسب است که سند دو گانه شيخ صدوق در عيون را نيز ارائه دهيم:
حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمأة قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري؛
وحدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان.
متن العلل:
حدثنى عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنى ابو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري:
ان سأل سائل فقال اخبرني هل يجوز ان يكلف الحكيم عبده فعلا من الافاعيل لغير علة ولا معنى؟ قيل له لا يجوز ذلك لانه حكيم غير عابث ولا جاهل. فان قال قائل: فاخبرني لم كلف الخلق؟ قيل لعلل فان قال فاخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة؟ قيل بل هي معروفة موجودة عند أهلهاء فان قال قائل اتعرفونها انتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم منها ما نعرفه ومنها مالا نعرفه فان قال قائل فما أول الفرايض قيل الاقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله فأن قال قائل لم امر الخلق بالاقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله قيل لعلل كثيرة منها ان من لم يقر بالله لم يتجنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب احدا فيما يشتهى ويستلذ من الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الاشياء وارتكب كل انسان ما يشتهى ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق اجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والاموال وأباحوا الدماء والسبي وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل ومنها ان الله عز وجل حكيم ولايكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة الا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش ولايكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهى عن الفواحش الا بعد الاقرار بالله ومعرفة الامر والناهي فلو ترك الناس بغير اقرار بالله ولا معرفة لم يثبت أمر بصلاح ولا نهى عن فساد إذ لا آمر ولا ناهى ومنها انا قد وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة مستورة عن الخلق فلولا الاقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وارادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبير إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق بغير مراقب لاحد فكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد ولا يخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم يخلون به من انواع الفساد فان قال قائل: فلم وجب عليكم معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة؟ قيل له لانه لما لم يكتف في خلقهم وقواهم ما يثبتون به لمباشرة الصانع تعالى حتى يكلمهم ويشافههم لضعفهم وعجزهم وكان الصانع متعاليا عن ان يرى ويباشر وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ظاهرا لم يكن يدلهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدى إليهم أمره ونهيه وادبه ويفقهم على ما يكون به اجتلاب منافعهم ودفع مضارهم إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم فلولم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولاسد حاجة ولكان يكون اتيانه عبثا لغير منفعة ولاصلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي اتقن كل شئ. فان قال قائل: ولم جعل أولى الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل لعلل كثيرة. منها: ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا ان لا يتعدوا تلك الحدود لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيها امينا ياخذهم بالوقت عندما ابيح لهم ويمنعهم من التعدي على ما حظر عليهم لانه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيم يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام ومنها انا لانجد فرقة من الفرق ولاملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بدلهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز في حكمه الحكيم ان يترك الخلق مما يعلم انه لابدلهم من ولاقوام لهم إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيمون به جماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم. ومنها: انه لو لم يجعل لهم اماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم فلولم يجعل فيها قيما حافظا لما جاء به الرسول الاول لفسدوا على نحو ما بيناه وغيرت الشرايع والسنن والاحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق اجمعين، فان قيل فلم لا يجوز ان يكون في الارض إمامان في وقت واحد أو اكثر من ذلك قيل لعلل منا ان الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما وذلك إنا لم نجد اثنين إلا مختلفى الهمم والارادة فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما وارادتهما وكانا كلاهما مفترضى الطاعة لم يكن احدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ثم لا يكون أحد مطعيا لاحدهما إلا وهو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الارض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والايمان ويكونون انما أتوا في ذلك من قبل الصانع والذي وضع لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر إذ أمرهم باتباع المختلفين. ومنها: انه لو كان أمامين لكان لكل من الخصمين ان يدعو الى غير الذي يدعو إليه الآخر في الحكومة ثم لا يكون احدهما اولى بان يتبع صاحبه من الآخر فتبطل الحقوق والاحكام والحدود. ومنها: انه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنظر والحكم والامر والنهى من الآخر فإذا كان هذا كذلك وجب عليهم ان يبتدؤا الكلام وليس لاحدهما ان يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الامامة شرعا واحدا فان جاز لاحدهما السكوت جاز للاخر مثل ذلك، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والاحكام وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم فان قيل لا يجوز ان يكون الامام من غير جنس الرسول قيل لعلل. منها: انه كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز بهامن غيره، وهى القرابة المشهورة والوصية الظاهرة، ليعرف من غيره ويهتدى إليه بعينه. ومنها: انه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسول إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لاولاد أعدائه كأبى جهل وابن أبى معيط لانه قد يجوز بزعمه انه ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد اعداء الله واعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره واحق. ومنها: ان الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة واذعنوا له بالطاعة لم يتكبر احد منهم عن ان يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في انفس الناس وإذا كان في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ انفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق والاختلاف. فان قال قائل: فلم يوجب عليهم الاقرار والمعرفة بان الله واحد احد قيل لعلل. منها انه لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم ان يتوهموا مدبرين أو اكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لان كل انسان منهم لا يدرى لعله انما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونوا على حقيقة من صانعهم وخالفهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولانهى ناه إذ لايعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره. ومنها انه لو جاز ان يكون اثنين لم يكن احد الشريكين أولى بان يعبد ويطاع من الآخر وفي اجازة ان يطاع الشريك اجازة ان لا يطاع وفي ان لا يطاع الله الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله واثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة واباحة كل فساد وابطال كل حق. ومنها: انه لو جاز ان يكون اكثر من واحد لجاز لابليس ان يدعى انه ذلك الآخر حتى يضاد الله في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك اعظم الكفر واشد النفاق.
فان قال قائل: فلم وجب عليهم الاقرار بالله بانه ليس كمثله شئ قيل لعلل: منها: لان يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشبه عليهم ربهم وصانعهم ورازقهم. ومنها: انهم لو لم يعلموا انه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الاصنام التى نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون مشبها وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الارباب وأمرها ونهيها. ومنها انه لو لم يجب عليهم ان يعرفوا انه ليس كمثله شئ لجاز عندهم ان يجرى عليه ما يجرى على المخلوقين من العجز والجهل والتغير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الاشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية. فان قال قائل: لم أمر الله العباد ونهاهم؟ قيل لانه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالامر والنهى والمنع عن الفساد والتغاصب. فان قال قائل: لم تعبدهم قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لادبه ولا لاهين عن أمره ونهيه إذا كان فيه صلاحهم وفسادهم وقوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الامد وقست قلوبهم. وان قيل: فلم أمروا بالصلاة؟ قيل لان في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الانداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الاقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الارض كل يوم ليكن ذاكر الله غير ناس له يكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا مع الطلب للدين والدنيا بالزيادة مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدا وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغى وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي، وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد. فان قال قائل: فلم أمر بالوضوء وبدء به؟ قيل لانه يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نفيا من الادناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار. فان قال قائل: فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين؟ قيل لان العبد إذا قام بين يدي الجبار قايما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك انه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد. فان قيل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين والمسح على الرأس والرجلين ولم يجعل غسلا كله ولا مسحا كله؟ قيل لعلل شتى. منها: ان العبادة إنما هي الركوع والسجود، وانما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين. ومنها: ان الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض والليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وانما وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف، ومنها ان الرأس والرجلين ليس هما في كل وقت باديين وظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك. فان قال قائل: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون ساير الاشياء؟ قيل: لان الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فامروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من انفسهم وأما النوم: فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى فكان أغلب الاشياء كله فيما يخرج منه، فوجب عليه الوضوء بهذه العلة. فان قال قائل: فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة، قيل لان هذا شئ دايم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) والجنابة ليست هي أمرا دايما إنما هي شهوة يصيبها إذا أراد ويمكنه تعجيلها وتأخيرها للايام الثلاثة والاقل والاكثر وليس ذلك هكذا. فان قال قائل: فلم أمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو انجس من الجنابة واقذر؟ قيل من أجل ان الجنابة من نفس الاءنسان وهو شئ يخرج من جميع جسده والخلاء ليس هومن نفس الاءنسان إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب. فان قال قائل: فلم صار الاستنجاء بالماء فرضا؟ قيل لانه لا يجوز للعبد أن يقوم بين يدي الجبار وشئ من ثيابه وجسده نجس.
(قال مصنف هذا الكتاب):
غلط الفضل وذلك لان الاستنجاء به ليس بفرض وإنما هو سنة.
رجعنا إلى كلام الفضل.
فان قال قائل: فاخبرني عن الاذان لم أمروا؟ قيل لعلل كثيرة. منها: ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه وداعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن يتساهى وإنما يقولون مؤذن لانه المؤذن بالصلاة. فان قيل: فلم بدء التكبير قبل التسبيح والتهليل والتحميد؟ قيل لانه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لان أسم الله في التكبير في أول الحرف وفي التسبيح والتحميد والتهليل أسم الله في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي أسم الله في أوله لافي آخره. فان قيل: فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سهى أحد عن الاول لم يسه عن الثاني، ولان الصلاة ركعتان ركعتان فكذلك جعل الآذان مثنى مثنى. فان قال قائل: فلم جعل التكبير في أول الآذان أربعا؟ قيل لان أول الآذان انما بيده غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الاولين تنبيها للمستمعين لما بعده في الآذان. فان قال قائل: فلم جعل بعد التكبيرين الشهادتين؟ قيل لان اكمال الايمان هو التوحيد والاقرار لله بالوحدانية والثانى الاقرار للرسول بالرسالة لان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ولان أصل الايمان إنما هو الشهادة فجعلت الشهادتين شهادتين كما جعل ساير الحقوق شهادتين فإذ اقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الايمان لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله ورسوله. فان قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لان الاذان إنما وضع لموضع الصلاة وانما هو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذان فقدم قبلها أربعا التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي ادائها، ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها اربعا كما اتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله وتحميده كمافتحة بذكره وتحميده. فان قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل اسم الله في آخر الحرف منه فاحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه. فان قيل: فلم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد واسم الله في آخر الحرف من هذين الحرفين؟ قيل لان التهليل إقرار له بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد. فان قال: قائل: فلم بدأ في الاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير؟ قيل للعلة التى ذكرناها في الاذان. فان قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل لانه أحب ان يفتح قيامه لربه وعباداته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك وليكون في القيام عند القنوت بعض الطول فاحرى ان يدرك المدرك الركوع فلا يفوته الركعتان في الجماعة. فان قال: فلم أمروا بالقراءة في الصلاة؟ قيل لان لا يكون القرآن مهجورا مضيعا بل يكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل. فان قال: فلم بدء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور؟ قيل لانه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة (الحمد) وذلك قوله عز وجل (الحمدالله) إنما هو اداء لما أوجب على خلقه من الشكر لما وفق عبده للخير (رب العالمين) تمجيدا له وتحميدا وإقرارا بانه هو الخالق المالك لاغير (الرحمن الرحيم) استعطاف وذكر لربه ونعمائه على جميع خلقه (مالك يوم الدين) اقرار له بالبعث والحساب والمجازاة وايجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا (إياك نعبد) رغبة وتقربا إلى الله واخلاصا بالعمل له دون غيره (واياك نستعين) استزاده من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه ونصره (اهدنا الصراط المستقيم) استرشاد لادبه ومعتصما بحبله واستزاده في المعرفة بربه وبعظمته وكبريائه (صراط الذين انعمت عليهم) توكيدا في السؤال والرغبة وذكر لما قد تقدم من نعمه على أوليائه ورغبة في مثل تلك النعم (غير المغضوب عليهم) استعاذة من ان يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبامره ونهيه (ولا الضالين) اعتصاما من ان يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا مالا يجمعه شئ من الاشياء. فان قال: فلم جعل التسبيح والركوع والسجود؟ قيل لعلل. منها: ان يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسجا معظما شاكرا لخالقه ورازقه وليستعمل التسبيح والتحميد كما استعمل التكبير والتهليل وليشغل قلبه وذهنه بذكر الله ولم يذهب به الكفر والاماني غير الله. فان قال: فلم جعل أصل الصلاة ركعتين ركعتين ولم زيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شئ؟ قيل لان أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لان أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عز وجل ان العباد لا يؤدون تلك الراكعة الواحدة التى لاصلاة أقل منها بكمالها وتمامها والاقبال عليها فقرن إليها ركعة اخرى ليتم بالثانية ما نقص من الاولى ففرض الله أصل الصلاة ركعتين، ثم علم رسول الله (ص) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وبكمالها فضم إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيها تمام الركعتين الاوليين ثم علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الافطار والاكل والوضوء والتهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة لتكون أخف عليهم ولان تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فردا ثم ترك الغداة على حالها لان الاشتغال في وقتها اكثر والمبادرة إلى الحوايج فيها أعم ولان القلوب فيها أخلى من الكفر لقلة معاملات الناس بالليل وقلة الاخذ والاعطاء فالانسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لان الفكر أقل لعدم العمل من الليل. فان قال: فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟ قيل لان الفرض منها واحد وسايرها سنة وانما جعل ذلك لان التكبير في الصلاة الاولى التى هي الاصل كله سبع تكبيرات تكبيرة استفتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجود وتكبيرة أيضا في الركوع وتكبيرتين للسجود فإذا كبر الانسان في أول صلاته سبع تكبيرات فقد علم اجزاء التكبير كله فانه سهى في شئ منها أو تركها لم يدخل عليه نفس في صلاته، كما قال أبو جعفر وابو عبد الله " ع ": من كبر اول صلاته سبع تكبيرات اجزئه وتجزى تكبيرة واحدة ثم ان لم يكبر في شئ من صلاته اجزائه عند ذلك، وانما عنى بذلك إذا تركها ساهيا أو ناسيا.
(قال مصنف هذا الكتاب):
غلط الفضل ان تكبيرة الافتتاح فريضة وانما هي سنة واجبة.
رجعنا إلى كلام الفضل.
فان قال: فلم جعل ركعة وسجدتين؟ قيل لان الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القايم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لان الصلاة إنما هي ركوع وسجود. فان قال قائل: فلم جعل التشهد بعد الركعتين؟ لانه كما قدم قبل الركوع والسجود من الآذن والدعاء والقراءة فكذلك أيضا اخر بعدها التشهد والتحميد والدعاء. فان قال: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا او ضربا آخر؟ قيل لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وانما بدء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم. فان قال: فلم جعل القراءة في الركعتين الاوليين والتسبيح في الآخريين؟ قيل للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده وما فرضه من عند رسوله. فان قال: فلم جعلت الجماعة؟ قيل لان لا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة لله لا ظاهرا مكشوفا مشهودا لان في اظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله عز وجل وحده وليكون المنافق والمستخف مؤديا لما أقربه بظاهر الاسلام والمراقبة، ولان تكون شهادات الناس بالاسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل.
فان قال: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض؟ قيل لان الصلوات التى يجهر فيها انما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها لان يمر المار فيعلم ان هاهنا جماعة فان أراد أن يصلى صلى لانه ان لم ير جماعة تصلى سمع وعلم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فانما هما صلاة تكون بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تعلم من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع. فان قال: فلم جعلت الصلوات في هذه الاوقات ولم تقدم ولم تؤخر؟ قيل لان الاوقات المشهورة المعلومة التى تعم أهل الارض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة غروب الشمس مشهور معروف فوجب عندها المغرب وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده عشاء الآخرة وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة وزوال الشمس وايفاء الفيئ مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التى قبلها إلى ان يصير الظل من كل شئ أربعة اضعافه. وعلة أخرى: ان الله عز وجل أحب ان يبدء الناس في كل عمل أولا بطاعة وعبادة فامرهم اول النهار ان يبدءوا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مؤنة دنياهم فاوجب صلاة الفجر عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فامرهم ان يبدءوا بذكره وعبادته فاوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا ظهرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا أيضا بعبادته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فاوجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاؤا من مؤنة دنياهم فإذا جاء الليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم بدؤا أولا لعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فاوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب ان يبدؤا أولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤا ان يصيروا إليه من ذلك فيكونوا قد بدؤا في كل عمل بطاعته وعبادته فاوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم. فان قال: فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهر مثل تلك الاوقات أوجبها بين الظهر والمغرب ولم يوجبها بين العتمة والغداة أوبين الغداة والظهر؟ قيل لانه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى ان يعم فيه الضعيف والقوى بهذه الصلاة من هذا الوقت وذلك ان الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب في الحوايج وإقامة الاسواق فاراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشتغلون به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجبا ولا يمكنهم ذلك فخفف الله عنهم ولم يجعلها في أشد الاوقات عليهم ولكن جعلها في أخف الاوقات عليهم كما قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). فان قال: فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لان رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فاحب الله عز وجل ان يكون في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في وقت رفع اليدين أحضار النية وإقبال على ما قال وقصد لان الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح وكل سنة فانها تؤدى على جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب ان يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض. فان قال: فلم جعل صلاة السنة أربعة وثلاثين ركعا؟ قيل لان الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلى الفريضة كمالا للفريضة. فان قال: فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ولم تجعل في وقت واحد؟ قيل لان أفضل الاوقات ثلاثة عند زوال الشمس وبعد الغروب وبالاسحار فاوجب ان يصلى له في هذه الاوقات الثلاثة لانه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان اداؤها ايسر وأخف من ان تجمع كلها في وقت. فان قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين وإذا كانت بغير أمام ركعتين وركعتين قيل: لعلل شتى منها: ان الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد، فاحب الله ان يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه. ومنها: ان الامام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام. ومنها: ان الصلاة مع الامام أتم واكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله. ومنها: ان الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتين ولم تقصر لمكان الخطبتين. فان قال: فلم جعلت الخطبة؟ قيل لان الجمعة مشهد عام فاراد ان يكون للامام سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية وفعلهم وتوفيقهم على ما أرادوا من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات ومن الاحوال التى لهم فيها المضرة والمنفعة، ولايكون الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة. فان قال: فلم جعلت خطبتان؟ قيل: لان تكون واحدة للثناء والتمجيد والتقديس لله عز وجل، والاخرى للحوايج والاعذار والانذار والدعاء ولما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد. فان قيل: فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل: لان الجمعة أمر دايم وتكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا وإذا كثر ذلك على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا وأما العيدين فانما هو في السنة مرتين وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه اكثر والناس فيه أرغب فان تفرق بعض الناس بقى عامتهم وليس هو بكثير فيملوا ويسخفوا به.
قال مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيدين من بعد الصلاة لانهما بمنزلة الركعتين الاخروين وان أول من قدم الخطبتين عثمان لانه أحدث ما أحدث لم يكن الناس ليقفوا على خطبته ويقولون ما نصنع بمواعظه، وقد أحدث ما أحدث فقدم الخطبتين لتقف الناس انتظار الصلاة.
فان قال فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا اكثر من ذلك؟ قيل لان ما يقصر فيه الصلاة بريد ان ذاهبا أو بريد ذاهبا وجايئا، والبريد أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير وذلك انه يجئ فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر. فان قال: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربعة ركعات قيل تعظيما لذلك اليوم وتفرقه بينه وبين سائر الايام. فان قيل فلم قصرت الصلاة في السفر؟ قيل لان الصلاة المفروضة أولا انما هي عشر ركعات والسبع انما زيدت فيها بعد، فخفف الله عز وجل تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بامر نفسه وظعنه واقامته، لئلا يشتغل عما لابد له من معيشته رحمة من الله وتعطفا عليه، إلا صلاة المغرب فانها لم تقصر لانها صلاة مقصورة في الاصل. فان قال: فلم وجب التقصير في فراسخ لا أقل من ذلك ولا اكثر؟ قيل: لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والاثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم. فان قال: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم؟ قيل: لانه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة الف سنة، وذلك ان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولافرق بينهما. فان قال: قد يختلف المسير، وذلك ان سير البقر انما هو أربعة فراسخ وسير الفرس عشرين فرسخا، فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟ قيل لان ثمانية فراسخ هو سير الجمال والقوافل وهو الغالب على المسير وهو أعظم السير الذي يسيره الجمالون والمكارون. فان قال: فلم ترك في السفر تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل؟ قيل: كل صلاة لا تقصر فيها فلا تقصر في تطوعها، وذلك ان المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوع، وكذلك الغداة لا يقصر فيها ولا فيما قبلها من التطوع. فان قال: فما بال العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها؟ قيل: ان تلك الركعتين ليستا هي من الخمسين وانما هي الزيادة في الخمسين تطوعاليتم بها بدل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع. فان قيل: فلم وجب على المسافر والمريض ان يصليا صلاة الليل في اول الليل؟ قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته، فيستريح المريض في وقت راحته، ويشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره. فان قيل: فلم أمروا بالصلاة على الميت؟ قيل ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة لانه لم يكن في وقت من الاوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والدعاء والاستغفار من تلك الساعة. فان قال: فلم جعلت خمس تكبيرات دون ان تصير أربعا اوستا؟ قيل انما الخمس اخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة، وذلك انه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلا تكبيرة الافتتاح، فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة، فجعلت صلاة على الميت. فان قال: فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود؟ قيل لانه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلل والخضوع، انما اريد بها الشفاعة لهذا العبد الذى قد تخلى عما خلف واحتاج إلى ما قدم. فان قيل: فلم أمر بغسل الميت؟ قيل: لانه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والاذى، فاحب ان يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة الملائكة الذين يلونه، ويماسونه فيما بينهم نظيفا موجهابه إلى الله عز وجل. وقد روى عن بعض الائمة عليهم السلام انه قال: ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل.
فان قيل: فلم أمر أن يكفن الميت؟ قيل لان يلقى ربه طاهر الجسد، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك العاهة والفساد، ولان يكون أطيب لانفس الاحياء، ولئلا يبغضه حميم فيلقى ذكره ومودته، ولا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به وأحب. فان قيل: فلم أمر بدفنه؟ قيل: لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه، ولا يتأذى به الاحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدانس والفساد وليكون مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن صديق. فان قيل: فلم أمر من يغسله بالغسل؟ قيل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقى منه اكثر آفته، ولئلا يلهج الناس به وبمماسته، إذ قد غلبت علة النجاسة والآفة. فان قيل: فلم لا يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات من غير الانسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟ قيل لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشا وصوفا وشعر أو وبرا، وهذا كله زكى ولا يموت، وانما يماس منه الشئ الذي هوزكى من الحي والميت الذي قد البسه وعلاه. فان قيل: فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء؟ قيل لانه ليس فيها ركوع ولا سجود، وانما هي دعاء ومسألة وقد يجوز ان تدعو الله عز وجل وتسألة على أي حال كنت وانما يجب الوضوء في الصلاة التى فيها ركوع وسجود. فان قيل: فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟ قيل لان هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر الصلوات، وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختيار، وانما هو حق يؤدى وجايز ان تؤدى الحقوق في أي وقت كان، اذالم يكن الحق موقتا. فان قيل: فلم جعلت للكسوف صلاة؟ قيل: لانه آية من آيات الله لا يدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فاحب النبي صلى الله عليه وآله ان يفزع أمته لخالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا الى الله عز وجل. فان قيل: فلم جعلت عشر ركعات؟ قيل: ان الصلاة التى نزل فرضها من السماء أولا في اليوم والليلة فانما هي عشر ركعات، فجمعت تلك الركعات هاهنا وانما جعل فيها السجود لانه لا يكون صلاة فيها ركوع إلاو فيها سجود، ولان يختموا صلاتهم أيضا بالسجود والخضوع والخشوع وانما جعلت اربع سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من اربع سجدات لا تكون صلاة، لان أقل الغرض من السجود في الصلاة لا يكون إلا على أربع سجدات. فان قيل: فلم يجعل بدل الركوع سجودا؟ قيل لان الصلاة قايما أفضل من قاعدا ولا القايم يرى الكسوف والانجلاء والساجد لا يرى. فان قيل: فلم غيرت عن أصل الصلاة التى قد افترضها الله عز وجل؟ قيل: لانها صلاة لعلة تغير أمر من الامور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول. فان قيل: فلم جعل يوم الفطر العيد؟ قيل: لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله تعالى فيحمدونه على مامن عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع ولانه أول يوم من السنة يحل فيه الاكل والشرب لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فاحب الله تعالى ان يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه. فان قيل: فلم جعل التكبير فيها اكثر منه في غيرها من الصلاة؟ قيل: لان التكبير انما هو تعظيم لله وتحميد على ماهدى وعافى كما قال الله عز وجل (ولتكبروا الله على ماهديكم ولعلكم تشكرون).
فان قيل: فلم جعل اثنتا عشرة تكبيرة فيها؟ قيل لانه يكون في الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة. فان قيل: فلم جعل في الاولى سبع، وخمس في الثانية ولم يسو بينهما؟ قيل: لان السنة في صلاة الفريضة ان يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدأ هاهنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات، لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات، وليكون التكبير في الركعتين جميعاوترا وترا. فان قيل: فلم أمروا بالصوم؟ قيل: لكى يعرفوا الم الجوع والعطش ويستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصايم خاشعا ذليلا مستكينا ماجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الامساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظالهم في العاجل ورايضا لهم على اداء ما كلفهم ودليلا لهم في الاجر، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدوا إليهم ما فرض الله لهم في أموالهم. فان قيل: فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور؟ قيل: لان شهر رمضان هو الشهر الذي انزل الله فيه القرآن، وفيه فرق الله بين أهل الحق والباطل كما قال الله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وفيه نبئ محمد وفيه ليلة القدر التى هي خير من الف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم وهو رأس السنة، ويقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل، ولذلك سميت ليلة القدر. فان قيل: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك ولا اكثر؟ قيل لانه قوة العباد الذي يعم فيه القوى والضعيف، وإنما أوجب الله الفرايض على أغلب الاشياء واعم القوى ثم رخص لاهل الضعف، وإنما أوجب الله ورغب أهل القوة في الفضل، ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم، ولو احتاجوا الى اكثر من ذلك لزادهم.
فان قيل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلى؟ قيل: لانها في حد نجاسة فاحب أن لا تتعبد إلا طاهرة، ولانه لاصوم لمن لاصلاة له. فان قيل: فلم صارت تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة؟ قيل: لعلل شتى فمنها ان الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها واصلاح بيتها والقيام بامورها والاشتغال بمرمة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كله، لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلاتقوى على ذلك والصوم ليس كذلك. ومنها: ان الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الاركان وليس في الصوم شئ من ذلك انما هو ترك الطعام والشراب، وليس منه اشتغال الاركان. ومنها: انه ليس من وقت يجئ إلا ويجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها، وليس الصوم كذلك، لانه ليس كلما حدث عليها يوم وجب عليها الصوم وكلما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة. فان قيل: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره اولم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط القضاء، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل: لان ذلك الصوم انما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر فاما الذي لم يفق فانه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه، فلم يجعل له السبيل إلى ادائها سقط عنه، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق " ع " كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له لانه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء لآنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطيع اداؤه فوجب عليه الفداء، كما قال الله عز وجل (فصيام شهرين متتابعين فلم لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) وكما قال: (ففدية من صيام أو صدقة) فاقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه.
فان قيل: فان يستطيع إذ ذاك فهو الان يستطيع؟ لانه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي، لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم، فان افاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته. فان قيل: فلم جعل صوم السنة؟ قيل ليكمل به صوم الفرض. فان قيل: فلم جعل في كل شهر ثلاثة أيام في كل عشرة يوما قيل: لان الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر امثالها فمن صام في كل عشرة يوما واحدا فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسى رحمة الله عليه: صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه. فان قيل: فلم جعل أول خميس في العشر الاول وآخر خميس في العشر الاخر واربعاء في العشر الاوسط؟
قيل: اما الخميس فانه قال الصادق " ع " يعرض كل خميس اعمال العباد على الله عز وجل فاحب ان يعرض عمل العبد على الله وهو صائم. فان قيل: فلم جعل آخر خميس؟ قيل: لانه إذا عرض عمل العبد ثلاثة أيام والعبد صايم كان اشرف وأفضل من ان يعرض عمل يومين وهو صايم، وانما جعل الاربعاء في العشر الاوسط لان الصادق " ع " اخبرنا بان الله تعالى خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك الله القرون الاولى وهو يوم نحس مستمر، فاحب ان يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه. فان قيل: فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما من الانواع؟ قيل لان الصلاة والحج وساير الفرايض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه ومصلحة معيشته مع تلك العلل التى ذكرناها في الحايض التى تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة.
فان قيل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟ قيل لان الفرض الذي فرضه الله تعالى على الخلق هوشهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا وتغليظا عليه. فان قيل: فلم جعلت متتابعين؟ قيل لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به لانه إذا قضى متفرقا هان عليه القضاء واستخف بالايمان. فان قيل: فلم أمر بالحج؟ قيل لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الاموال وتعب الابدان والاشتغال عن الاهل وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد، ثابتا عليه ذلك دايما، مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه وترك قساوة القلب وخساسة الانفس ونسيان الذكرو انقطاع الرجاء والامل وتجديد الحقوق وحظر عن الفساد مع ما في ذلك من المنافع لجميع من في شرق الارض وغربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب، وبايع، ومشتري، وكاسب، ومسكين، ومكار وفقير وقضاء حوايج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهم السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله عز وجل: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وليشهدوا منافع لهم). فان قيل: فلم أمروا بحجة واحدة لا اكثر من ذلك؟ قيل لان الله تبارك وتعالى وضع الفرايض على ادنى القوم قوة كما قال الله عز وجل فما استيسر من الهدى يعنى شاة ليسع القوى والضعيف وكذلك سائر الفرايض انما وضعت على ادنى القوم قوة فكان من تلك الفرايض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم.
فان قيل: فلم أمروا بالتمتع في الحج قيل ذلك تخفيف من ربكم ورحمة لان يسلم الناس في إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد وان يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة وتبطل ولا يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز وان لا يكون الطواف بالبيت محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلة، فلولا التمتع لم يكن للحاج ان يطوف لانه إن طاف أحل وفسد احرامه ويخرج منه قبل اداء الحج، ولان يجب على الناس الهدي والكفارة فيذبحون وينحرون ويتقربون إلى الله جل جلاله فلا تبطل هراقة الدماء والصدقة على المسلمين. فان قيل: فلم جعل وقتها عشر ذى الحجة ولم يقدم ولم يؤخر؟ قيل قد يجوز ان يكون لما أوجب الله عز وجل ان يعبد بهذه العبادة وضع البيت والمواضع في أيام التشريق فكان أول ما حجت لله الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة فاما النبيون: آدم، ونوح وإبراهيم، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وغيرهم من الانبياء عليهم السلام إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم الدين. فان قيل: فلم أمروا بالاحرام؟ قيل لان يخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشئ من امور الدنيا وزينتها ولذاتها ويكونوا صابرين فيماهم فيه قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله عز وجل ولبيته والتذلل لانفسهم عند قصدهم إلى الله تعالى ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع. وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
نقل شيخ صدوق از گواهی پايان نسخه:
حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنا علي ابن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل اخبرني عن هذه العلل التى ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهى من نتائج العقل أوهى مما سمعته ورويته؟ فقال لي ماكنت أعلم مراد الله بما فرض ولامراد رسول الله صلى الله عليه وآله بما شرع وسن ولا اعلل ذلك من ذات نفسي بل سمعنا من مولاي أبى الحسن علي بن موسى الرضا " ع " مرة بعد مرة والشئ بعد الشئ فجمعتها فقلت فاحدث بها عنك عن الرضا " ع "؟ فقال نعم.
در روايت عيون، در نسخه پايانی روايت دوم (با سند متصل صدوق) چنين آمده بوده است:
حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان أنه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن بن موسى الرضا عليهما السلام فجمعتها متفرقة وألفتها.
در عيون، شيخ صدوق در توصيف متن ابن شاذان، می نويسد: [باب] العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنه سمعها من الرضا علي بن موسى عليه السلام مرة بعده مرة وشيئا بعد شئ فجمعها وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا عليه السلام.
در اينجا ما متن را بر اساس علل الشرايع نقل می کنيم، اما مناسب است که سند دو گانه شيخ صدوق در عيون را نيز ارائه دهيم:
حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمأة قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري؛
وحدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان.
متن العلل:
حدثنى عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنى ابو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري:
ان سأل سائل فقال اخبرني هل يجوز ان يكلف الحكيم عبده فعلا من الافاعيل لغير علة ولا معنى؟ قيل له لا يجوز ذلك لانه حكيم غير عابث ولا جاهل. فان قال قائل: فاخبرني لم كلف الخلق؟ قيل لعلل فان قال فاخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة؟ قيل بل هي معروفة موجودة عند أهلهاء فان قال قائل اتعرفونها انتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم منها ما نعرفه ومنها مالا نعرفه فان قال قائل فما أول الفرايض قيل الاقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله فأن قال قائل لم امر الخلق بالاقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله قيل لعلل كثيرة منها ان من لم يقر بالله لم يتجنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب احدا فيما يشتهى ويستلذ من الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الاشياء وارتكب كل انسان ما يشتهى ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق اجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والاموال وأباحوا الدماء والسبي وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل ومنها ان الله عز وجل حكيم ولايكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة الا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش ولايكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهى عن الفواحش الا بعد الاقرار بالله ومعرفة الامر والناهي فلو ترك الناس بغير اقرار بالله ولا معرفة لم يثبت أمر بصلاح ولا نهى عن فساد إذ لا آمر ولا ناهى ومنها انا قد وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة مستورة عن الخلق فلولا الاقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وارادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبير إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق بغير مراقب لاحد فكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد ولا يخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم يخلون به من انواع الفساد فان قال قائل: فلم وجب عليكم معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة؟ قيل له لانه لما لم يكتف في خلقهم وقواهم ما يثبتون به لمباشرة الصانع تعالى حتى يكلمهم ويشافههم لضعفهم وعجزهم وكان الصانع متعاليا عن ان يرى ويباشر وكان ضعفهم وعجزهم عن ادراكه ظاهرا لم يكن يدلهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدى إليهم أمره ونهيه وادبه ويفقهم على ما يكون به اجتلاب منافعهم ودفع مضارهم إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم فلولم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولاسد حاجة ولكان يكون اتيانه عبثا لغير منفعة ولاصلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي اتقن كل شئ. فان قال قائل: ولم جعل أولى الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل لعلل كثيرة. منها: ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا ان لا يتعدوا تلك الحدود لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيها امينا ياخذهم بالوقت عندما ابيح لهم ويمنعهم من التعدي على ما حظر عليهم لانه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيم يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام ومنها انا لانجد فرقة من الفرق ولاملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بدلهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز في حكمه الحكيم ان يترك الخلق مما يعلم انه لابدلهم من ولاقوام لهم إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيمون به جماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم. ومنها: انه لو لم يجعل لهم اماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم فلولم يجعل فيها قيما حافظا لما جاء به الرسول الاول لفسدوا على نحو ما بيناه وغيرت الشرايع والسنن والاحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق اجمعين، فان قيل فلم لا يجوز ان يكون في الارض إمامان في وقت واحد أو اكثر من ذلك قيل لعلل منا ان الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما وذلك إنا لم نجد اثنين إلا مختلفى الهمم والارادة فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما وارادتهما وكانا كلاهما مفترضى الطاعة لم يكن احدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ثم لا يكون أحد مطعيا لاحدهما إلا وهو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الارض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والايمان ويكونون انما أتوا في ذلك من قبل الصانع والذي وضع لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر إذ أمرهم باتباع المختلفين. ومنها: انه لو كان أمامين لكان لكل من الخصمين ان يدعو الى غير الذي يدعو إليه الآخر في الحكومة ثم لا يكون احدهما اولى بان يتبع صاحبه من الآخر فتبطل الحقوق والاحكام والحدود. ومنها: انه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنظر والحكم والامر والنهى من الآخر فإذا كان هذا كذلك وجب عليهم ان يبتدؤا الكلام وليس لاحدهما ان يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الامامة شرعا واحدا فان جاز لاحدهما السكوت جاز للاخر مثل ذلك، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والاحكام وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم فان قيل لا يجوز ان يكون الامام من غير جنس الرسول قيل لعلل. منها: انه كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز بهامن غيره، وهى القرابة المشهورة والوصية الظاهرة، ليعرف من غيره ويهتدى إليه بعينه. ومنها: انه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسول إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لاولاد أعدائه كأبى جهل وابن أبى معيط لانه قد يجوز بزعمه انه ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد اعداء الله واعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره واحق. ومنها: ان الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة واذعنوا له بالطاعة لم يتكبر احد منهم عن ان يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في انفس الناس وإذا كان في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ انفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق والاختلاف. فان قال قائل: فلم يوجب عليهم الاقرار والمعرفة بان الله واحد احد قيل لعلل. منها انه لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم ان يتوهموا مدبرين أو اكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لان كل انسان منهم لا يدرى لعله انما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونوا على حقيقة من صانعهم وخالفهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولانهى ناه إذ لايعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره. ومنها انه لو جاز ان يكون اثنين لم يكن احد الشريكين أولى بان يعبد ويطاع من الآخر وفي اجازة ان يطاع الشريك اجازة ان لا يطاع وفي ان لا يطاع الله الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله واثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة واباحة كل فساد وابطال كل حق. ومنها: انه لو جاز ان يكون اكثر من واحد لجاز لابليس ان يدعى انه ذلك الآخر حتى يضاد الله في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك اعظم الكفر واشد النفاق.
فان قال قائل: فلم وجب عليهم الاقرار بالله بانه ليس كمثله شئ قيل لعلل: منها: لان يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشبه عليهم ربهم وصانعهم ورازقهم. ومنها: انهم لو لم يعلموا انه ليس كمثله شئ لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الاصنام التى نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون مشبها وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الارباب وأمرها ونهيها. ومنها انه لو لم يجب عليهم ان يعرفوا انه ليس كمثله شئ لجاز عندهم ان يجرى عليه ما يجرى على المخلوقين من العجز والجهل والتغير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الاشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية. فان قال قائل: لم أمر الله العباد ونهاهم؟ قيل لانه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالامر والنهى والمنع عن الفساد والتغاصب. فان قال قائل: لم تعبدهم قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لادبه ولا لاهين عن أمره ونهيه إذا كان فيه صلاحهم وفسادهم وقوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عليهم الامد وقست قلوبهم. وان قيل: فلم أمروا بالصلاة؟ قيل لان في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الانداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الاقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الارض كل يوم ليكن ذاكر الله غير ناس له يكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا مع الطلب للدين والدنيا بالزيادة مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدا وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغى وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي، وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد. فان قال قائل: فلم أمر بالوضوء وبدء به؟ قيل لانه يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نفيا من الادناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار. فان قال قائل: فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين؟ قيل لان العبد إذا قام بين يدي الجبار قايما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك انه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد. فان قيل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين والمسح على الرأس والرجلين ولم يجعل غسلا كله ولا مسحا كله؟ قيل لعلل شتى. منها: ان العبادة إنما هي الركوع والسجود، وانما يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين. ومنها: ان الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض والليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وانما وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف، ومنها ان الرأس والرجلين ليس هما في كل وقت باديين وظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك. فان قال قائل: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون ساير الاشياء؟ قيل: لان الطرفين هما طريق النجاسة وليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فامروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من انفسهم وأما النوم: فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى فكان أغلب الاشياء كله فيما يخرج منه، فوجب عليه الوضوء بهذه العلة. فان قال قائل: فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة، قيل لان هذا شئ دايم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) والجنابة ليست هي أمرا دايما إنما هي شهوة يصيبها إذا أراد ويمكنه تعجيلها وتأخيرها للايام الثلاثة والاقل والاكثر وليس ذلك هكذا. فان قال قائل: فلم أمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو انجس من الجنابة واقذر؟ قيل من أجل ان الجنابة من نفس الاءنسان وهو شئ يخرج من جميع جسده والخلاء ليس هومن نفس الاءنسان إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب. فان قال قائل: فلم صار الاستنجاء بالماء فرضا؟ قيل لانه لا يجوز للعبد أن يقوم بين يدي الجبار وشئ من ثيابه وجسده نجس.
(قال مصنف هذا الكتاب):
غلط الفضل وذلك لان الاستنجاء به ليس بفرض وإنما هو سنة.
رجعنا إلى كلام الفضل.
فان قال قائل: فاخبرني عن الاذان لم أمروا؟ قيل لعلل كثيرة. منها: ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه وداعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالاسلام مؤذنا لمن يتساهى وإنما يقولون مؤذن لانه المؤذن بالصلاة. فان قيل: فلم بدء التكبير قبل التسبيح والتهليل والتحميد؟ قيل لانه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لان أسم الله في التكبير في أول الحرف وفي التسبيح والتحميد والتهليل أسم الله في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي أسم الله في أوله لافي آخره. فان قيل: فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سهى أحد عن الاول لم يسه عن الثاني، ولان الصلاة ركعتان ركعتان فكذلك جعل الآذان مثنى مثنى. فان قال قائل: فلم جعل التكبير في أول الآذان أربعا؟ قيل لان أول الآذان انما بيده غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الاولين تنبيها للمستمعين لما بعده في الآذان. فان قال قائل: فلم جعل بعد التكبيرين الشهادتين؟ قيل لان اكمال الايمان هو التوحيد والاقرار لله بالوحدانية والثانى الاقرار للرسول بالرسالة لان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ولان أصل الايمان إنما هو الشهادة فجعلت الشهادتين شهادتين كما جعل ساير الحقوق شهادتين فإذ اقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الايمان لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله ورسوله. فان قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لان الاذان إنما وضع لموضع الصلاة وانما هو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذان فقدم قبلها أربعا التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي ادائها، ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها اربعا كما اتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله وتحميده كمافتحة بذكره وتحميده. فان قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل اسم الله في آخر الحرف منه فاحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه. فان قيل: فلم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد واسم الله في آخر الحرف من هذين الحرفين؟ قيل لان التهليل إقرار له بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد. فان قال: قائل: فلم بدأ في الاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير؟ قيل للعلة التى ذكرناها في الاذان. فان قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل لانه أحب ان يفتح قيامه لربه وعباداته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك وليكون في القيام عند القنوت بعض الطول فاحرى ان يدرك المدرك الركوع فلا يفوته الركعتان في الجماعة. فان قال: فلم أمروا بالقراءة في الصلاة؟ قيل لان لا يكون القرآن مهجورا مضيعا بل يكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل. فان قال: فلم بدء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور؟ قيل لانه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة (الحمد) وذلك قوله عز وجل (الحمدالله) إنما هو اداء لما أوجب على خلقه من الشكر لما وفق عبده للخير (رب العالمين) تمجيدا له وتحميدا وإقرارا بانه هو الخالق المالك لاغير (الرحمن الرحيم) استعطاف وذكر لربه ونعمائه على جميع خلقه (مالك يوم الدين) اقرار له بالبعث والحساب والمجازاة وايجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا (إياك نعبد) رغبة وتقربا إلى الله واخلاصا بالعمل له دون غيره (واياك نستعين) استزاده من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه ونصره (اهدنا الصراط المستقيم) استرشاد لادبه ومعتصما بحبله واستزاده في المعرفة بربه وبعظمته وكبريائه (صراط الذين انعمت عليهم) توكيدا في السؤال والرغبة وذكر لما قد تقدم من نعمه على أوليائه ورغبة في مثل تلك النعم (غير المغضوب عليهم) استعاذة من ان يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبامره ونهيه (ولا الضالين) اعتصاما من ان يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا مالا يجمعه شئ من الاشياء. فان قال: فلم جعل التسبيح والركوع والسجود؟ قيل لعلل. منها: ان يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبده وتورعه واستكانته وتذلله وتواضعه وتقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسجا معظما شاكرا لخالقه ورازقه وليستعمل التسبيح والتحميد كما استعمل التكبير والتهليل وليشغل قلبه وذهنه بذكر الله ولم يذهب به الكفر والاماني غير الله. فان قال: فلم جعل أصل الصلاة ركعتين ركعتين ولم زيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شئ؟ قيل لان أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لان أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عز وجل ان العباد لا يؤدون تلك الراكعة الواحدة التى لاصلاة أقل منها بكمالها وتمامها والاقبال عليها فقرن إليها ركعة اخرى ليتم بالثانية ما نقص من الاولى ففرض الله أصل الصلاة ركعتين، ثم علم رسول الله (ص) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وبكمالها فضم إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيها تمام الركعتين الاوليين ثم علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الافطار والاكل والوضوء والتهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة لتكون أخف عليهم ولان تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فردا ثم ترك الغداة على حالها لان الاشتغال في وقتها اكثر والمبادرة إلى الحوايج فيها أعم ولان القلوب فيها أخلى من الكفر لقلة معاملات الناس بالليل وقلة الاخذ والاعطاء فالانسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لان الفكر أقل لعدم العمل من الليل. فان قال: فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟ قيل لان الفرض منها واحد وسايرها سنة وانما جعل ذلك لان التكبير في الصلاة الاولى التى هي الاصل كله سبع تكبيرات تكبيرة استفتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجود وتكبيرة أيضا في الركوع وتكبيرتين للسجود فإذا كبر الانسان في أول صلاته سبع تكبيرات فقد علم اجزاء التكبير كله فانه سهى في شئ منها أو تركها لم يدخل عليه نفس في صلاته، كما قال أبو جعفر وابو عبد الله " ع ": من كبر اول صلاته سبع تكبيرات اجزئه وتجزى تكبيرة واحدة ثم ان لم يكبر في شئ من صلاته اجزائه عند ذلك، وانما عنى بذلك إذا تركها ساهيا أو ناسيا.
(قال مصنف هذا الكتاب):
غلط الفضل ان تكبيرة الافتتاح فريضة وانما هي سنة واجبة.
رجعنا إلى كلام الفضل.
فان قال: فلم جعل ركعة وسجدتين؟ قيل لان الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القايم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لان الصلاة إنما هي ركوع وسجود. فان قال قائل: فلم جعل التشهد بعد الركعتين؟ لانه كما قدم قبل الركوع والسجود من الآذن والدعاء والقراءة فكذلك أيضا اخر بعدها التشهد والتحميد والدعاء. فان قال: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا او ضربا آخر؟ قيل لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وانما بدء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم. فان قال: فلم جعل القراءة في الركعتين الاوليين والتسبيح في الآخريين؟ قيل للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده وما فرضه من عند رسوله. فان قال: فلم جعلت الجماعة؟ قيل لان لا يكون الاخلاص والتوحيد والاسلام والعبادة لله لا ظاهرا مكشوفا مشهودا لان في اظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله عز وجل وحده وليكون المنافق والمستخف مؤديا لما أقربه بظاهر الاسلام والمراقبة، ولان تكون شهادات الناس بالاسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل.
فان قال: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض؟ قيل لان الصلوات التى يجهر فيها انما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها لان يمر المار فيعلم ان هاهنا جماعة فان أراد أن يصلى صلى لانه ان لم ير جماعة تصلى سمع وعلم ذلك من جهة السماع والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فانما هما صلاة تكون بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تعلم من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع. فان قال: فلم جعلت الصلوات في هذه الاوقات ولم تقدم ولم تؤخر؟ قيل لان الاوقات المشهورة المعلومة التى تعم أهل الارض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة غروب الشمس مشهور معروف فوجب عندها المغرب وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده عشاء الآخرة وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة وزوال الشمس وايفاء الفيئ مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التى قبلها إلى ان يصير الظل من كل شئ أربعة اضعافه. وعلة أخرى: ان الله عز وجل أحب ان يبدء الناس في كل عمل أولا بطاعة وعبادة فامرهم اول النهار ان يبدءوا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مؤنة دنياهم فاوجب صلاة الفجر عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فامرهم ان يبدءوا بذكره وعبادته فاوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا ظهرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا أيضا بعبادته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فاوجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاؤا من مؤنة دنياهم فإذا جاء الليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم بدؤا أولا لعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فاوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم وفرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب ان يبدؤا أولا بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤا ان يصيروا إليه من ذلك فيكونوا قد بدؤا في كل عمل بطاعته وعبادته فاوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم. فان قال: فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهر مثل تلك الاوقات أوجبها بين الظهر والمغرب ولم يوجبها بين العتمة والغداة أوبين الغداة والظهر؟ قيل لانه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى ان يعم فيه الضعيف والقوى بهذه الصلاة من هذا الوقت وذلك ان الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب في الحوايج وإقامة الاسواق فاراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشتغلون به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجبا ولا يمكنهم ذلك فخفف الله عنهم ولم يجعلها في أشد الاوقات عليهم ولكن جعلها في أخف الاوقات عليهم كما قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). فان قال: فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لان رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فاحب الله عز وجل ان يكون في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ولان في وقت رفع اليدين أحضار النية وإقبال على ما قال وقصد لان الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح وكل سنة فانها تؤدى على جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب ان يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض. فان قال: فلم جعل صلاة السنة أربعة وثلاثين ركعا؟ قيل لان الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلى الفريضة كمالا للفريضة. فان قال: فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة ولم تجعل في وقت واحد؟ قيل لان أفضل الاوقات ثلاثة عند زوال الشمس وبعد الغروب وبالاسحار فاوجب ان يصلى له في هذه الاوقات الثلاثة لانه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان اداؤها ايسر وأخف من ان تجمع كلها في وقت. فان قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الامام ركعتين وإذا كانت بغير أمام ركعتين وركعتين قيل: لعلل شتى منها: ان الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد، فاحب الله ان يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه. ومنها: ان الامام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام. ومنها: ان الصلاة مع الامام أتم واكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله. ومنها: ان الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتين ولم تقصر لمكان الخطبتين. فان قال: فلم جعلت الخطبة؟ قيل لان الجمعة مشهد عام فاراد ان يكون للامام سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية وفعلهم وتوفيقهم على ما أرادوا من مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات ومن الاحوال التى لهم فيها المضرة والمنفعة، ولايكون الصائر في الصلاة منفصلا وليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة. فان قال: فلم جعلت خطبتان؟ قيل: لان تكون واحدة للثناء والتمجيد والتقديس لله عز وجل، والاخرى للحوايج والاعذار والانذار والدعاء ولما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد. فان قيل: فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أول الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل: لان الجمعة أمر دايم وتكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا وإذا كثر ذلك على الناس ملوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا وأما العيدين فانما هو في السنة مرتين وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه اكثر والناس فيه أرغب فان تفرق بعض الناس بقى عامتهم وليس هو بكثير فيملوا ويسخفوا به.
قال مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيدين من بعد الصلاة لانهما بمنزلة الركعتين الاخروين وان أول من قدم الخطبتين عثمان لانه أحدث ما أحدث لم يكن الناس ليقفوا على خطبته ويقولون ما نصنع بمواعظه، وقد أحدث ما أحدث فقدم الخطبتين لتقف الناس انتظار الصلاة.
فان قال فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا اكثر من ذلك؟ قيل لان ما يقصر فيه الصلاة بريد ان ذاهبا أو بريد ذاهبا وجايئا، والبريد أربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير وذلك انه يجئ فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر. فان قال: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربعة ركعات قيل تعظيما لذلك اليوم وتفرقه بينه وبين سائر الايام. فان قيل فلم قصرت الصلاة في السفر؟ قيل لان الصلاة المفروضة أولا انما هي عشر ركعات والسبع انما زيدت فيها بعد، فخفف الله عز وجل تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بامر نفسه وظعنه واقامته، لئلا يشتغل عما لابد له من معيشته رحمة من الله وتعطفا عليه، إلا صلاة المغرب فانها لم تقصر لانها صلاة مقصورة في الاصل. فان قال: فلم وجب التقصير في فراسخ لا أقل من ذلك ولا اكثر؟ قيل: لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والاثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم. فان قال: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم؟ قيل: لانه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة الف سنة، وذلك ان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولافرق بينهما. فان قال: قد يختلف المسير، وذلك ان سير البقر انما هو أربعة فراسخ وسير الفرس عشرين فرسخا، فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟ قيل لان ثمانية فراسخ هو سير الجمال والقوافل وهو الغالب على المسير وهو أعظم السير الذي يسيره الجمالون والمكارون. فان قال: فلم ترك في السفر تطوع النهار ولم يترك تطوع الليل؟ قيل: كل صلاة لا تقصر فيها فلا تقصر في تطوعها، وذلك ان المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوع، وكذلك الغداة لا يقصر فيها ولا فيما قبلها من التطوع. فان قال: فما بال العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها؟ قيل: ان تلك الركعتين ليستا هي من الخمسين وانما هي الزيادة في الخمسين تطوعاليتم بها بدل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع. فان قيل: فلم وجب على المسافر والمريض ان يصليا صلاة الليل في اول الليل؟ قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته، فيستريح المريض في وقت راحته، ويشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره. فان قيل: فلم أمروا بالصلاة على الميت؟ قيل ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة لانه لم يكن في وقت من الاوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والدعاء والاستغفار من تلك الساعة. فان قال: فلم جعلت خمس تكبيرات دون ان تصير أربعا اوستا؟ قيل انما الخمس اخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة، وذلك انه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلا تكبيرة الافتتاح، فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة، فجعلت صلاة على الميت. فان قال: فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود؟ قيل لانه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلل والخضوع، انما اريد بها الشفاعة لهذا العبد الذى قد تخلى عما خلف واحتاج إلى ما قدم. فان قيل: فلم أمر بغسل الميت؟ قيل: لانه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والاذى، فاحب ان يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة الملائكة الذين يلونه، ويماسونه فيما بينهم نظيفا موجهابه إلى الله عز وجل. وقد روى عن بعض الائمة عليهم السلام انه قال: ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل.
فان قيل: فلم أمر أن يكفن الميت؟ قيل لان يلقى ربه طاهر الجسد، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك العاهة والفساد، ولان يكون أطيب لانفس الاحياء، ولئلا يبغضه حميم فيلقى ذكره ومودته، ولا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به وأحب. فان قيل: فلم أمر بدفنه؟ قيل: لئلا يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه، ولا يتأذى به الاحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدانس والفساد وليكون مستورا عن الاولياء والاعداء فلا يشمت عدو ولا يحزن صديق. فان قيل: فلم أمر من يغسله بالغسل؟ قيل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرج منه الروح بقى منه اكثر آفته، ولئلا يلهج الناس به وبمماسته، إذ قد غلبت علة النجاسة والآفة. فان قيل: فلم لا يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات من غير الانسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟ قيل لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشا وصوفا وشعر أو وبرا، وهذا كله زكى ولا يموت، وانما يماس منه الشئ الذي هوزكى من الحي والميت الذي قد البسه وعلاه. فان قيل: فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء؟ قيل لانه ليس فيها ركوع ولا سجود، وانما هي دعاء ومسألة وقد يجوز ان تدعو الله عز وجل وتسألة على أي حال كنت وانما يجب الوضوء في الصلاة التى فيها ركوع وسجود. فان قيل: فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟ قيل لان هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر الصلوات، وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختيار، وانما هو حق يؤدى وجايز ان تؤدى الحقوق في أي وقت كان، اذالم يكن الحق موقتا. فان قيل: فلم جعلت للكسوف صلاة؟ قيل: لانه آية من آيات الله لا يدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فاحب النبي صلى الله عليه وآله ان يفزع أمته لخالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا الى الله عز وجل. فان قيل: فلم جعلت عشر ركعات؟ قيل: ان الصلاة التى نزل فرضها من السماء أولا في اليوم والليلة فانما هي عشر ركعات، فجمعت تلك الركعات هاهنا وانما جعل فيها السجود لانه لا يكون صلاة فيها ركوع إلاو فيها سجود، ولان يختموا صلاتهم أيضا بالسجود والخضوع والخشوع وانما جعلت اربع سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من اربع سجدات لا تكون صلاة، لان أقل الغرض من السجود في الصلاة لا يكون إلا على أربع سجدات. فان قيل: فلم يجعل بدل الركوع سجودا؟ قيل لان الصلاة قايما أفضل من قاعدا ولا القايم يرى الكسوف والانجلاء والساجد لا يرى. فان قيل: فلم غيرت عن أصل الصلاة التى قد افترضها الله عز وجل؟ قيل: لانها صلاة لعلة تغير أمر من الامور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول. فان قيل: فلم جعل يوم الفطر العيد؟ قيل: لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله تعالى فيحمدونه على مامن عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع ولانه أول يوم من السنة يحل فيه الاكل والشرب لان أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فاحب الله تعالى ان يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه. فان قيل: فلم جعل التكبير فيها اكثر منه في غيرها من الصلاة؟ قيل: لان التكبير انما هو تعظيم لله وتحميد على ماهدى وعافى كما قال الله عز وجل (ولتكبروا الله على ماهديكم ولعلكم تشكرون).
فان قيل: فلم جعل اثنتا عشرة تكبيرة فيها؟ قيل لانه يكون في الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة. فان قيل: فلم جعل في الاولى سبع، وخمس في الثانية ولم يسو بينهما؟ قيل: لان السنة في صلاة الفريضة ان يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدأ هاهنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات، لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات، وليكون التكبير في الركعتين جميعاوترا وترا. فان قيل: فلم أمروا بالصوم؟ قيل: لكى يعرفوا الم الجوع والعطش ويستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصايم خاشعا ذليلا مستكينا ماجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الامساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظالهم في العاجل ورايضا لهم على اداء ما كلفهم ودليلا لهم في الاجر، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدوا إليهم ما فرض الله لهم في أموالهم. فان قيل: فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور؟ قيل: لان شهر رمضان هو الشهر الذي انزل الله فيه القرآن، وفيه فرق الله بين أهل الحق والباطل كما قال الله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وفيه نبئ محمد وفيه ليلة القدر التى هي خير من الف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم وهو رأس السنة، ويقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل، ولذلك سميت ليلة القدر. فان قيل: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك ولا اكثر؟ قيل لانه قوة العباد الذي يعم فيه القوى والضعيف، وإنما أوجب الله الفرايض على أغلب الاشياء واعم القوى ثم رخص لاهل الضعف، وإنما أوجب الله ورغب أهل القوة في الفضل، ولو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم، ولو احتاجوا الى اكثر من ذلك لزادهم.
فان قيل: فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلى؟ قيل: لانها في حد نجاسة فاحب أن لا تتعبد إلا طاهرة، ولانه لاصوم لمن لاصلاة له. فان قيل: فلم صارت تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة؟ قيل: لعلل شتى فمنها ان الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها واصلاح بيتها والقيام بامورها والاشتغال بمرمة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كله، لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا فلاتقوى على ذلك والصوم ليس كذلك. ومنها: ان الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الاركان وليس في الصوم شئ من ذلك انما هو ترك الطعام والشراب، وليس منه اشتغال الاركان. ومنها: انه ليس من وقت يجئ إلا ويجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها وليلتها، وليس الصوم كذلك، لانه ليس كلما حدث عليها يوم وجب عليها الصوم وكلما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة. فان قيل: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره اولم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للاول وسقط القضاء، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل: لان ذلك الصوم انما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر فاما الذي لم يفق فانه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه، فلم يجعل له السبيل إلى ادائها سقط عنه، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق " ع " كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له لانه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء لآنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطيع اداؤه فوجب عليه الفداء، كما قال الله عز وجل (فصيام شهرين متتابعين فلم لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) وكما قال: (ففدية من صيام أو صدقة) فاقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه.
فان قيل: فان يستطيع إذ ذاك فهو الان يستطيع؟ لانه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي، لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم، فان افاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته. فان قيل: فلم جعل صوم السنة؟ قيل ليكمل به صوم الفرض. فان قيل: فلم جعل في كل شهر ثلاثة أيام في كل عشرة يوما قيل: لان الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر امثالها فمن صام في كل عشرة يوما واحدا فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسى رحمة الله عليه: صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه. فان قيل: فلم جعل أول خميس في العشر الاول وآخر خميس في العشر الاخر واربعاء في العشر الاوسط؟
قيل: اما الخميس فانه قال الصادق " ع " يعرض كل خميس اعمال العباد على الله عز وجل فاحب ان يعرض عمل العبد على الله وهو صائم. فان قيل: فلم جعل آخر خميس؟ قيل: لانه إذا عرض عمل العبد ثلاثة أيام والعبد صايم كان اشرف وأفضل من ان يعرض عمل يومين وهو صايم، وانما جعل الاربعاء في العشر الاوسط لان الصادق " ع " اخبرنا بان الله تعالى خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك الله القرون الاولى وهو يوم نحس مستمر، فاحب ان يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه. فان قيل: فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج والصلاة وغيرهما من الانواع؟ قيل لان الصلاة والحج وساير الفرايض مانعة للانسان من التقلب في أمر دنياه ومصلحة معيشته مع تلك العلل التى ذكرناها في الحايض التى تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة.
فان قيل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟ قيل لان الفرض الذي فرضه الله تعالى على الخلق هوشهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا وتغليظا عليه. فان قيل: فلم جعلت متتابعين؟ قيل لئلا يهون عليه الاداء فيستخف به لانه إذا قضى متفرقا هان عليه القضاء واستخف بالايمان. فان قيل: فلم أمر بالحج؟ قيل لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الاموال وتعب الابدان والاشتغال عن الاهل وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد، ثابتا عليه ذلك دايما، مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه وترك قساوة القلب وخساسة الانفس ونسيان الذكرو انقطاع الرجاء والامل وتجديد الحقوق وحظر عن الفساد مع ما في ذلك من المنافع لجميع من في شرق الارض وغربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب، وبايع، ومشتري، وكاسب، ومسكين، ومكار وفقير وقضاء حوايج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهم السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله عز وجل: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وليشهدوا منافع لهم). فان قيل: فلم أمروا بحجة واحدة لا اكثر من ذلك؟ قيل لان الله تبارك وتعالى وضع الفرايض على ادنى القوم قوة كما قال الله عز وجل فما استيسر من الهدى يعنى شاة ليسع القوى والضعيف وكذلك سائر الفرايض انما وضعت على ادنى القوم قوة فكان من تلك الفرايض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم.
فان قيل: فلم أمروا بالتمتع في الحج قيل ذلك تخفيف من ربكم ورحمة لان يسلم الناس في إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد وان يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة وتبطل ولا يكون الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز وان لا يكون الطواف بالبيت محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلة، فلولا التمتع لم يكن للحاج ان يطوف لانه إن طاف أحل وفسد احرامه ويخرج منه قبل اداء الحج، ولان يجب على الناس الهدي والكفارة فيذبحون وينحرون ويتقربون إلى الله جل جلاله فلا تبطل هراقة الدماء والصدقة على المسلمين. فان قيل: فلم جعل وقتها عشر ذى الحجة ولم يقدم ولم يؤخر؟ قيل قد يجوز ان يكون لما أوجب الله عز وجل ان يعبد بهذه العبادة وضع البيت والمواضع في أيام التشريق فكان أول ما حجت لله الملائكة وطافت به في هذا الوقت فجعله سنة ووقتا إلى يوم القيامة فاما النبيون: آدم، ونوح وإبراهيم، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وغيرهم من الانبياء عليهم السلام إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم الدين. فان قيل: فلم أمروا بالاحرام؟ قيل لان يخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشئ من امور الدنيا وزينتها ولذاتها ويكونوا صابرين فيماهم فيه قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله عز وجل ولبيته والتذلل لانفسهم عند قصدهم إلى الله تعالى ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع. وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
نقل شيخ صدوق از گواهی پايان نسخه:
حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار قال: حدثنا علي ابن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل اخبرني عن هذه العلل التى ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهى من نتائج العقل أوهى مما سمعته ورويته؟ فقال لي ماكنت أعلم مراد الله بما فرض ولامراد رسول الله صلى الله عليه وآله بما شرع وسن ولا اعلل ذلك من ذات نفسي بل سمعنا من مولاي أبى الحسن علي بن موسى الرضا " ع " مرة بعد مرة والشئ بعد الشئ فجمعتها فقلت فاحدث بها عنك عن الرضا " ع "؟ فقال نعم.
در روايت عيون، در نسخه پايانی روايت دوم (با سند متصل صدوق) چنين آمده بوده است:
حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان أنه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن بن موسى الرضا عليهما السلام فجمعتها متفرقة وألفتها.
شنبه ۱۹ اسفند ۱۳۸۵ ساعت ۱۲:۴۹