ولقد ندّ بجعل غلام ، وهو اليوم قاضي الري . وابن عبّاد يكنفه ويقرّبه ليكون داعية له ونائبا عنه ، وليس له أصل وهو من سواد همذان ، وأبوه كان فلّاحا ، ولقد رأيته ، إلّا أنّه یأتى لابن عباد في سمته ولزوم ناموسه حتى خفّ عليه ، وهو اليوم قارون ، وقد علت رتبته في الكلام حتّى لا مزيد عليها ، إلا أنه مع ذلك نغل الباطن ، خبيث الخبء ، قليل اليقين ، وذلك أن الطريقة التي قد لزموها وسلكوها لا تفضي بهم إلا إلى الشك والارتياب ، لأن الدّين لم يأت بكمّ وكيف في كلّ باب ، ولهذا كان لأصحاب الحديث أنصار الأثر ، مزية على أصحاب الكلام وأهل النظر ، والقلب الخالي من الشبهة أسلم من الصدر المحشوّ بالشكّ والريبة ، ولم يأت الجدل بخير قطّ . وقد قيل : من طلب الدين بالكلام ألحد ، ومن تتبّع غرائب الحديث كذب ، ومن طلب المال بالكيمياء افتقر . وما شاعت هذه الوصيّة جزافا ، بل بعد تجربة كرّرها الزمان ، وتطاولت عليها الأيام ، يتكلم أحدهم في مائة مسألة ويورد مائة حجّة لا ترى عنده خشوعا ولا رقة ، ولا تقوى ولا دمعة ، وإن كثيرا من الذين لا يكتبون ولا يقرءون ولا يحتجّون ولا يناظرون ولا يكرمون ولا يفضّلون خير من هذه الطائفة وألين جانبا ، وأخشع قلبا ، وأتقى للّه عزّ وجلّ ، وأذكر للمعاد ، وأيقن بالثواب والعقاب ، وأقلق من الهفوة ، وألوذ باللّه من صغير الذنب ، وأرجع إلى اللّه بالتوبة ، ولم أر متكلّما في مدّة عمره بكى خشية ، أو دمعت عينه ويتلاقون متخادعين ، ويصنّفون متحاملين ، جذّ اللّه عروقهم ، واستأصل شأفتهم ، وأراح العباد والبلاد منهم ، فقد عظمت البلوى بهم ، وعظمت آفتهم على صغار الناس وكبارهم ، ودبّ داؤهم ، وعسر دواؤهم ، وأرجو ألا أخرج من الدنيا حتى أرى بنيانهم متضعضعا ، وساكنه متجعجعا (الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، ج 1، ص 107 تا 108).
يكشنبه ۴ دي ۱۴۰۱ ساعت ۴:۵۴