محمود ابن الملاحمي (المتوفی سنة ۵۳۶ الهجري) کان هو واحد من أهم المتکلمين المعتزلة في عصر ما بعد القاضي عبد الجبّار. کان يعيش في خوارزم و کان صديقاً و زميلاً للزمخشري، المفسّر المعروف المعتزلي. في عصره خوارزم کانت من أهم المراکز للفکر المعتزلي ونحن نعرف اليوم أنّ الفکر الاعتزالي دخل خوارزم منذ مدة قبل عصر الملاحمي. في القرن السادس الهجري کانت مدينة الري هي المرکز الأصلي للمعتزلة البهشمية (اصحاب أبي هاشم الجبّايي) ونحن نعرف الحضور المعتزلي أيضاً في هذا العصر بالذات في خراسان ومدنها کبيهق ونيسابور؛ ولا بدّ لنا أن نذکر من بين المعتزلة في خراسان في عصر ما قبل الملاحمي، الحاکم الجشمي صاحب کتاب شرح عيون المسائل. وبينما الحاکم الجشمي کان من مناصري الفکر البهشمي، کان الملاحمي الذي کان يعرف جيداً المدرسة البهشمية اختار أفکار أبي الحسين البصري الذي کما نعرف هو کان من بين تلامذة القاضي عبد الجبّار والذي وبتأثير من اساتذته من بين الفلاسفة في بغداد، صار من المنتقدين لإستاذه القاضي عبد الجبّار وألّف کتاباً تحت عنوان تصفح الأدلة والذي کان انتقد فيه بشدة بعض آراء استاذه. أخذ الملاحمي آراء أبي الحسين البصري وتلقّاها بالقبول وانتقد في کتبه مثل المعتمد في علم الکلام وأيضاً في کتابه الآخر الفائق في أصول الدين بعض من آراء القاضي عبد الجبّار الکلامية والمدرسة الکلامية البهشمية ودافع عن انتقادات أبي الحسين البصري.
ونحن نعرف اليوم أنّ في عصر الملاحمي کانت الفلسفة السينوية (لابن سينا) دخلت في أوساط الفقهاء والمتکلمين وأحياناً من خلال المدارس والمعاهد العلمية ومن خلال دراسة الفقه والأصول. هذه الظاهرة خاصة جاءت مع امام الحرمين الجويني الذي کان يعرف جيداً الفکر الفلسفي لابن سينا وجاء أيضاً مع تلميذه الشهير الغزالي الذي درس الفلسفة في خراسان وفي بغداد وإن کان هو انتقد بشدة الفکر الفلسفي لابن سينا في کتابه تهافت الفلاسفة لکن في السنوات الأخيرة من حياته کتب عدة کتب ورسائل متأثراً بشدة من الفکر الفلسفي لابن سينا. الملاحمي الذي کان هو معاصراً لهذه السنوات الأخيرة من حياة الغزالي تعرّف جيداً الی هذا التحول عند الغزالي وعند بعض الفقهاء الشافعية في خراسان من بين الأشاعرة وکان يعتقد أنّ هذه الظاهرة جاءت من خلال تشابه بعض الأفکار بشکل أو بآخر فیما بين الأشاعرة والفلاسفة ومنها في موضوع عدم قبول الاختيار الحرّ للانسان. الملاحمي انطلاقاً من رؤيته المعتزلية کان ينتقد هذه الظاهرة واختار أن يکتب کتاباً في الرد علی الفلاسفة وخاصة ابن سينا. هذه المبادرة کانت تُتَطلَّب أيضاً من خلال هذا الشعور بین المعتزلة (والأشاعرة بطبيعة الحال) من أنّ الفکر الفلسفي لإبن سينا جاهزة ولها قدرة أن يزلزل الأساس المعتقدي عند المتکلمين وينافس دور نفوذهم. وفي کتابه تحفة المتکلمين في الرد علی الفلاسفة کان الملاحمي انتقد الفکر الفلسفي لابن سينا ولکن خلافاً لتهافت الفلاسفة للغزالي التي ألّفت من خلال الرؤية الأشعرية للغزالي، انتقد هو ابن سينا من خلال افکار المعتزلة. بطبيعة الحال هو في بعض هذه الانتقادات يدافع عن رؤية أبي الحسين البصري ويعتقد أنّه خاصة مع قبول افکار أبي الحسين لا يمکن لأحدٍ من تابعي ابن سينا أن ينتقد بعض رؤی المتکلمين فی مسائل شتّی ومن بينها مسئلة المعدوم. استفاد الملاحمي في کتابه تحفة المتکلمين من طريقة جدلية لإسکات الخصم وهي أنه يتهم قسم من الفلاسفة بأنّهم يتظاهرون بالاسلام ولکنهم يتستّرون الکفر ويؤکّد أنّ الباطنية/الاسماعيلية استفادوا هم من آراء الفلاسفة في فلسفتهم الباطنية وأنّ طريقتهم وطريقة الفلاسفة سواء في تخريب الاسلام والهجوم علی المعتقد الإسلامی؛ هذا ونحن نعرف أنّ في عصر الملاحمي هناک توجد توجهات للسلطة للهجوم علی الاسماعيلية المتواجدون في قلاعهم في جنوب خراسان ويأتي کتاب الملاحمي هذا في خضمّ هذا الحراک السياسی/ الأيديولوجي أيضاً.
الملاحمي يستفيد في کتابه من مصادر متعددة ومن بينها کتب لابن سينا ولبعض تلامذته لنقل آراء إبن سينا ومن بين هذه المصادر هو ينقل من کتاب لمؤلف مجهول يُظَنّ أنه مصدر للغزالي في تأليف کتابه مقاصد الفلاسفة. الملاحمي لا يذکر الغزالي بإسمه ولکن يشير اليه من خلال انتقاده لبعض آرائه ومؤلفاته. ومن جانب آخر الملاحمي کان يعرف الرؤية الفلسفية من خلال کتب أبي الحسين البصري الذي کان بدوره تعلّم الفلسفة عند بعض الفلاسفة في بغداد وأيضاً من خلال کتب الحسن بن موسی النوبختي الذي کان يعرف جيداً آراء الفلاسفة وفي کتابه المعتمد، نقل الملاحمي من النوبختي کثيراً من الآراء الفلسفية للفلاسفة اليونانية وآراء بعض الفلاسفة في القرن الثالث الهجري في بغداد.
ذکر الاستاذ مادلونگ في مقدمته لکتاب المعتمد في أصول الدين لمحمود الملاحمي الخوارزمي المعتزلي (المتوفی سنة ۵۳۶ق) کل ما يتعلق بحياة الملاحمي وفيما يتعلق بمنهجه الکلامي وذکر أکثر ما قيل حوله في المصادر وهنا لابد من الاشارة الی ما ذکره ابن فندق البيهقي في کتابه معارج نهج البلاغة. قال ابن فندق البيهقي في کتابه معارج نهج البلاغة، في فصل فيه يتضمن ذکر مشايخه في علم الکلام وغيره، عن الملاحمي الذي تلمذ البيهقي عنده (معارج ‏نهج‏ البلاغة، ص ۳۶ طبعة محمد تقي دانش پژوه، قم، مکتبة السيد المرعشي):
..." ومنهم الامام محمود الملاحمىّ الخوارزمىّ، وله خاطر يلفظ المشكلات كما يلفظ السمع حروف الكلمات" .
هذه اشارة مهمة، خاصة وأنها صدرت من واحد من تلاميذ الملاحمي وهو تلميذ شهير ومشتهر بدراسته الفلسفة ودفاعه عن الفلسفة تجاه خصوم ابن سينا؛ بينما نعرف عن الملاحمي ومن خلال کتابه تحفة المتکلمين في الرد علی الفلاسفة توجهاته الجدلية ضد الفلاسفة.
چهارشنبه ۱۵ شهريور ۱۳۹۶ ساعت ۶:۵۱